فيما تتحضر "إسرائيل" لفرض خطتها بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن، أعلن جيشها استحداث شعبة جديدة أطلق عليها "الدائرة الثالثة"، لمواجهة إيران والمخاطر التي مصدرها دول ومناطق لا تشترك بحدود جغرافية مع "إسرائيل"، بحيث تكون مسؤولة عن تخطيط وإدارة المواجهة ضد هذه الجهات، مما يمثل تعديلاً على الخطة متعددة السنوات "تنوفا"، بعد أن كانت الشعبة مخصصة فقط لمواجهة إيران.
هذا التعديل المتزامن مع خطة الضم وتطبيق سيادتها المزعومة على الضفة الغربية، يعني أن دائرة التهديدات المحيطة بالاحتلال آخذة في التوسع، صحيح أننا قد لا نراها عياناً، بالصوت والصورة، لكن الاحتلال يعتقد أن الظروف قد تتغير، وتظهر تهديدات لم تكن في الحسبان في سنوات سابقة، مما يبقيه تحت ضغط القلق والخوف وعدم الاستقرار، رغم صورته العلنية من العلو والاستكبار.
هذا التطور يبدو مهماً للحديث عن مسوغات خطة فرض الضم وإعلان السيادة، التي يزعم المؤيدون لها أنها ستعمل على تحسين موقع المساومة الإسرائيلية أمام الفلسطينيين، من خلال اتخاذ خطوات استراتيجية في الضفة، وتحقيق التوازن بين الحاجة لتحقيق أهداف إسرائيل، مع استجابة مرضية لتردد الفلسطينيين وقلقهم.
أكثر من ذلك، فمن أجل أن تتجنب إسرائيل الاندماج الفعلي لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون فيها، والحفاظ على طابعها اليهودي، فهي تزعم أن الرد على الرفض الفلسطيني والقلق الاستراتيجي الأردني يتطلب عزل التركيز الفلسطيني في الضفة الغربية، وبشكل غير مباشر في قطاع غزة، عن الأردن.
ومن أجل ضمان إسرائيل الرد على الفلسطينيين، يجدر بها السعي للسيطرة الدائمة على غور الأردن، مع أن مأسسة السيطرة على الغور تتطلب إلغاء الرد القائم على التكنولوجيا والوجود الأجنبي من أجل أمن إسرائيل، لأنها تحتاج لمعلومات حول التهديد المتوقع، خشية أن تستجيب له قبل فوات الأوان، وهي تسعى لتحقيق رادع يعطيها فرصة جيدة للغاية لمنع أي تهديد، بحيث تقررها قوة إسرائيلية، وليس سواها، في أي اختبار تتعرض له.
يرفض الإسرائيليون، على الأقل اليمينيون منهم، أي خطة بديلة عن مشروع الضم، بما فيها معالجة مخاوفهم الأمنية عبر أجهزة استشعار، وطائرات بدون طيار، وأقمار صناعية، ووسائل تكنولوجية أخرى، حتى لو شملت على نشر قوات أجنبية، وربما أمريكية، على طول نهر الأردن، ردًّا على التهديدات الأمنية المحيطة بإسرائيل.
هذا لا يعني تغييب الحديث عن تكلفة فرض خطة السيادة والضم على المصالح الإسرائيلية، لا سيما تلك التي ستتمثل في إيقاظ الجدل الدولي حول القضية الفلسطينية، ونشوء أزمة في الأردن، وزيادة تحفظات الديمقراطيين في الولايات المتحدة، وقد يعتبره الاتحاد الأوروبي سلوكًا ضارًّا، في حين يحيا من جديد الرأي العام في العالم العربي.