قال محللون اقتصاديون: إن قرار حكومة الحمد الله خصم 30% من رواتب موظفي القطاع العسكري والمدني في قطاع غزة بأنه يهدف إلى تحقيق "مآرب سياسية أكثر منها اقتصادية".
وقالوا في أحديث منفصلة مع صحيفة "فلسطين": إن السلطة لن تجني سوى 192 مليون دولار جراء هذا القرار، لافتين إلى أن هذا المبلغ ليس له التأثير الكبير على موازنة السلطة ويمكن تغطيته بسهولة من المساعدات العربية والدولية.
وكان موظفون صرحوا مساء أول من أمس، بأن الخصومات طالت نحو 30% من رواتبهم لدى استلامها من البنوك في قطاع غزة، عن شهر آذار/ مارس في إجراء شمل المدنيين والعسكريين منهم.
وأعرب المحلل الاقتصادي أسامة نوفل عن استغرابه من القرار الذي قال إنه جاء بعد أيام قليلة من حصول حكومة الحمد الله على مبلغ 30 مليون دولار من المملكة العربية السعودية عقب انتهاء القمة العربية قبل أيام.
وقال نوفل لصحيفة "فلسطين": إن "إيرادات السلطة الوطنية الخاصة بالمقاصة كانت في حالة ازدياد في الفترة السابقة، وبالتالي لا يوجد أي مبرر لاتخاذ قرار الخصم سوى تحقيق مآرب سياسية أكثر منها اقتصادية".
وأضاف نوفل: إنه "لو كانت السلطة تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية كان الأولى أن تقوم بتخفيف النفقات التشغيلية الخاصة بالوزارات في الضفة ووقف التعيينات وليس تخفيض رواتب موظفي غزة".
وأكد على أن فاتورة رواتب موظفي السلطة في غزة تصل إلى 53 مليون دولار ترسلهم السلطة عبر البنوك، وبعد خصم 30% من قيمة الرواتب يتم استقطاع 16 مليون دولار شهرياً، وبالتالي فإن المبلغ النهائي بعد سنة من عملية الخصم سيصل إلى 192 مليون دولار.
وأضاف نوفل: "لا أحد يتوقع أن مبلغ 192 مليون دولار يمكن أن يترك أثراً قوياً على موازنة السلطة الفلسطينية أو يخفف من مشاكلها المالية التي تعاني منها منذ عدة سنوات".
وبين أن المبلغ العائد على السلطة ليس له تأثير يذكر على موازنتها إلا أنه سيترك أثراً اقتصادياً سلبياً على الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن أوضاع موظفي السلطة في حال استمرار عملية الخصم سيكون سيئاً للغاية، خاصة أن غالبيتهم مرتبطون بقروض بنكية يتم خصمها مباشرة بعد نزول رواتبهم.
من جهته، اتهم الخبير الاقتصادي سمير الدقران رئيس السلطة محمود عباس بالشراكة مع قادة كبار في السلطة الفلسطينية بعمل "مؤامرة" ضد الموظفين في قطاع غزة.
وأوضح الدقران لصحيفة "فلسطين" أن السلطة بقرارها الأخير الخاص بموظفي القطاع تثبت بشكل غير قابل للشك بأنها تسعى للفصل التام بين الضفة الغربية وقطاع غزة و"تسعى جاهدة وبالشراكة مع أطراف لم يسمِها لخلق دولة غزة".
وقال: إن "الأسباب التي أعلنت عنها السلطة لتبرر خصم الـ30% هي أسباب واهية، تعزز من خلالها التفرقة بين أطراف الوطن، كما أنها لا تبرر ما تدعيه السلطة من اتباع سياسة تقشف بسبب أزماتها المالية".
وأضاف الدقران: إن "إيرادات السلطة من الجمارك والضرائب لم يطرأ عليها أي تغير خلال الفترة الماضية، بل هناك مساعدات قُدمت لها مؤخراً من السعودية"، لافتاً إلى أن هذا المبلغ غير محسوب من ضمن الموازنة التي من ضمنها رواتب موظفي غزة ويعتبر زيادة على ما تحتاجه.
وأردف قائلاً: "كما أن عدد موظفي السلطة في غزة في تناقص مستمر منذ بداية الانقسام وبالتالي لا يوجد أزمة عند موظفي القطاع بسبب رفض السلطة أي تعيينات جديدة للموظفين وبالتالي لا يوجد زيادة في فاتورة الرواتب".
وأوضح الدقران أن الرئيس عباس ووفق قرار الخصم يكون قد أحال موظفي القطاع العسكريين والمدنيين في غزة إلى التقاعد دون استثناء، موضحاً في الوقت ذاته بأن الوضع الاقتصادي في القطاع سيئ للغاية، وبكامل الراتب لم تكن تتحرك الدورة المالية بالشكل المطلوب.
قرار مفاجيء
بدوره، قال الخبير الاقتصادي عمر شعبان: إن "قرار حكومة الحمد الله بخصم 30% من مرتبات موظفي السلطة الوطنية في قطاع غزة جاء مفاجئاً ودون توضيح مسبق ومقتصر على موظفي قطاع غزة مما يضع القرار موضع شك كبير حول مصداقيته وأسبابه".
وكتب شعبان على صحفته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": إن "هذا القرار ستكون له تداعيات خطيرة على علاقة السلطة وهياكلها التنفيذية والتشريعية والسياسية بقطاع غزة، كما أن هذا القرار سيعزز الشعور المتنامي بأن قطاع غزة لم يعد على سلم أولويات السلطة الوطنية رغم كل التصريحات التي تزعم غير ذلك".
وأضاف شعبان بأن هذا القرار "يتناقض كلياً مع تصريحات السيد الرئيس والسيد رئيس الوزراء بأن السلطة والحكومة لن تتخليا عن قطاع غزة، مما يؤشر إلى حالة من عدم الانسجام داخل أروقة الحكومة الفلسطينية في كيفية التعاطي مع قطاع غزة".
وأكد أن هذا القرار يمس بعشرات آلاف العائلات التي تعتمد على المرتب كمصدر دخل لمواجهة متطلبات المعيشة في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية جداً التي يعانيها القطاع من بطالة وحصار وبطء لعملية إعادة الاعمار.
وتساءل شعبان عن سبب تسارع الحكومة للاقتصاص من موظفيها وتطبيق خطط التقشف عليهم تاركة بنود صرف أخرى تقع ضمن المصروفات الترفيهية وغير الضرورية، لافتاً إلى أن الأزمة المالية للسلطة الوطنية مزمنة وتتكرر من وقت لآخر دون أن يتم ولمرة واحدة التوقف أمام منهجية إدارة وزارة المالية وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة.
وأشار شعبان إلى أنه قبل شهور قليلة تم تجديد رخصة الاتصالات بقيمة 300 مليون دولار، كما أنه تم تخصيص نصف دعم الدول المانحة في مؤتمر إعادة إعمار القطاع الذي عقد في القاهرة 2014 لدعم الموازنة العامة.
وأضاف: "كما شهد منتصف عام 2013 توقفًا لتجارة الأنفاق، وأصبحت تتم كل مشتريات قطاع غزة من خلال السلطة الوطنية مما ساهم بشكل كبير في تعظيم صافي المقاصة مع الجانب الاسرائيلي والتي وصلت إلى 800 مليون شيقل شهرياً.