قبل سنة 2007 كان الفلسطينيون يعيشون في وئام داخلي، وكانت لهم قيادة سياسية واحدة، وكانت لهم سلطة واحدة، ورئيس وحكومة واحدة، ولم يكن هناك في فلسطين شيء اسمه الانقسام! فهل كانت القضية الفلسطينية تحقق الانتصارات، وكانت الحركة الصهيونية تتراجع، وتتكسر أطماع المستوطنين على صخرة الوئام الفلسطيني؟
وحتى لا يصير الانقسام هو الصابون الذي يتطهر به قادة العمل السياسي الفلسطيني من فشلهم، لا بد من تسمية الولد باسمه، وتحميل مسؤولية الفشل لصاحبها الحقيقي بالتاريخ والموقع، ولا سيما مع تراجع القضية الفلسطينية، ومع تناقص الأرض، ومع حالة الحيص بيص التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ تصفية الشهيد أبي عمار، وتصفية انتفاضة الأقصى.
إن تشخيصنا للحالة الفلسطينية لا يعني تمجيد الانقسام، ولا يعني التنكر لأثره السلبي على القضية الفلسطينية، ولكن وضع النقاط على الحروف يمثل دعوة لمعاجلة أسباب الانقسام التي ترجع إلى سنوات طويلة من التفرد بالقرار السياسي، سنوات جرت خلالها كل المآسي للقضية الفلسطينية قبل أن نسمع بالانقسام، ومنها على سبيل المثال:
أولاً: الذي منع قيام دولة فلسطينية ليس الانقسام، وإنما إسحق رابين الذي يترحم عليه البعض، حين رفض تطبيق بعض بنود اتفاقية أوسلو، وقال سنة 1995 المواعيد ليست مقدسة!
ثانياً، التوسع الاستيطاني اليهودي الذي تواصل في كل أنحاء الضفة الغربية كان قبل الانقسام، وسأذكر هنا جبل أبو غنيم الذي صار مستوطنة كبيرة باسم "هار حوماه". لقد نجح المخطط الاستيطاني اليهودي رغم الرفض الفلسطيني والمظاهرات والشهداء، لقد كان ذلك سنة 1998، وقبل الانقسام الفلسطيني.
ثالثاً: الأسرى، لم تفرج حكومة العدو عن آلاف الأسرى الذين ما زالوا خلف الأسوار، وكانوا قد قضوا عشرات السنين في السجون قبل سنة 2007، السنة المتهمة برعاية الانقسام.
رابعاً: تم التقسيم المكاني والزماني للحرم الإبراهيمي في الخليل قبل سنوات طويلة من ظهور الانقسام الفلسطيني على وجه الأرض.
خامساً: لقد تم ضم القدس بقرار إسرائيلي سنة 1980، قبل الانقسام بسنوات طويلة.
سادساً: التواصل بين غزة والضفة الغربية كان مقطوعاً، ومحدوداً لمن يحمل تصريحاً إسرائيلياً، وكان محرماً التنقل بين غزة والضفة الغربية لملايين الفلسطينيين، ولم يكن هناك انقسام.
سابعاً: كان موعد قيام الدولة مع نهاية المرحلة الانتقالية سنة 1999، ولكن الدولة لم تقم رغم وجود حالة الوئام في تلك الفترة، وفي هذا تبرئة للانقسام من جريمة عدم قيام الدولة الفلسطينية.
ثامناً: عملية السور الواقي، واحتلال مدن الضفة الغربية تم سنة 2002، وذلك قبل الانقسام بخمس سنوات.
تاسعاً: لقد انسحب الاحتلال الإسرائيلي من غزة سنة 2005، متجاهلاً وجود السلطة، وكان ذلك قبل عامين من الانقسام.
عاشراً: تسلط الفساد والفاسدين على مقدرات الشعب الفلسطيني وفق تقارير المجلس التشريعي الذي كانت تشكل فيه حركة فتح الأغلبية، وكان قبل الانقسام بسنوات.
فهل ظل بعد كل هذه الحقائق من يعلق فشل السياسة الفلسطينية على رقبة الانقسام؟
ألا يقضي الواجب الوطني أن نكون صادقين مع أنفسنا وشعبنا، وأن نبدأ بمعالجة الأسباب التي أدت إلى الفشل السياسي القبيح الذي أوصل الفلسطينيين إلى الانقسام؟