مجددًا تبرز المخاوف الإسرائيلية من خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، وآخرها أنه لا يوجد من الناحية "المهنية" سبب مقنع لتنفيذها، فالمسألة "سياسية حزبية" بالدرجة الأولى، تخص معسكر اليمين عمومًا، ونتنياهو خصوصًا.
عند قراءة الآثار المترتبة على خطة الضم، تظهر ثلاث مشكلات تتداولها الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية: كيف سترد الدول العربية؟ وماذا سيحدث في العلاقة مع الفلسطينيين؟ وما استعدادات الجيش لوضع مختلف من حيث مسؤوليته؟ هذه أسئلة مهنية تحتاج للاستعداد، وتقليل الضغط المترتب عليها، وربما يمكن إضافة الضغط الأوروبي على (إسرائيل) ضمنها.
كما تعتقد بعض قطاعات المستوطنين أن الضم بهذا الشكل ليس جيدًا لهم، فالعبء الأمني والميداني المتوقع عليهم سيكون كبيرًا جدًّا، ما يدفعهم للقول أننا بحاجة إلى ضم دون دفع الأثمان، وأخطرها إمكانية قيام دولة فلسطينية، فالضم بهذه الطريقة سيكون اعترافًا بها، ومن الخطأ دفع هذا الثمن.
إضافة لما تقدم، فإن تنفيذ الضم بصيغتها الحالية المتداولة في وسائل الإعلام والمباحثات الأمريكية الإسرائيلية لا تجعل حياة الجيش الإسرائيلي أسهل في النهاية، ولا حياة المستوطنين، مع أن (إسرائيل) لديها اليوم حرية كاملة للعمل في الضفة الغربية، وحيثما تريد تعمل، وما يروج من تبريرات للضم حجج ضعيفة للغاية.
يتطرق الإسرائيليون إلى زاوية ليست بادية للعيان عن بعد، لمن هم من غيرهم، وهو أنه من الخطأ الذهاب إلى خطة "تمزق" المجتمع الإسرائيلي، فالاتفاق لن يكون مع المستوطنين فقط، بل مع كامل سكان (إسرائيل)، والأصل أن تختار الحكومة البرنامج الذي يحظى بأكبر إجماع إسرائيلي يهودي، وهو المتعلق بضم غور الأردن فقط، وفق التصور الإسرائيلي.
يستذكر الباحثون والخبراء الإسرائيليون ما أعلنه إسحاق رابين رئيس الحكومة الراحل بالقول أنه "يجب أن يكون الجيش الإسرائيلي في غور الأردن بالمعنى الواسع للكلمة، وإلى الأبد"، لذلك فهم ينصحون حكومتهم ورئيسها بأنه من الأفضل ألا يثير خطة سياسية يوجد حولها جدل في المجتمع الإسرائيلي، فأهم شيء بالنسبة لهم هو الحفاظ على المجتمع الإسرائيلي بأكمله، وعدم إعطاء الإسرائيليين الشعور بأن الحكومة تقودهم إلى أماكن تشعر فيها قطاعات كبيرة منهم بعدم الارتياح.
تجسد خطة الضم الحالية، وحالة عدم التوافق حولها، القناعة السائدة بأن كلا الطرفين في (إسرائيل)، اليمين والوسط، عند اتخاذ القرارات المصيرية، لا يأخذ الطرف الآخر بالحسبان، فأحدهما يمتلك القوة، ويستغلها بـ"تقطيع لحم" الجانب الآخر من المجتمع، وهذا الخطر الأكبر الذي يهدد وحدة وانسجام التركيبة السكانية اليهودية، بقدر أكبر من الخطورة التي رافقته إبان تنفيذ خطة الانسحاب من غزة في 2005.