ظاهرة العملاء والجواسيس، الذين يتخابرون مع الأعداء ويقدمون الخدمات لهم؛ هي ظاهرة موجودة منذ القدم، وفي كل ثورات العالم، حيث ترجع هذه الظاهرة إلى أسباب وعوامل كثيرة لعل من أهمها؛ مدى كبر أو صغر منسوب التنشئة والتربية السليمة، والانتماء للوطن وقوة العقيدة، والوعي والفهم الصحيح لخطورة الخيانة.
كلما قوي وزاد منسوب الوعي والانتماء والتنشئة السليمة، وتم بناء عقيدة قوية ومتينة للفرد؛ كلما قلت وانخفضت نسبة التعامل والتخابر مع الأعداء، ووصلت لدرجة الصفر؛ وكلما انخفض منسوب الانتماء والولاء والتنشئة وضعفت العقيدة والتضحية للوطن؛ كلما زادت نسبة من يسقطون في شباك الأعداء ومكائده؛ وبالتالي يصبحون خطرا داهما، على المجتمع ككل، وبمختلف قواه.
المقاومة الفلسطينية وبحكم طول التجربة مع الاحتلال التي خبرت طرقه ومكره وأساليبه المختلفة في الاغتيالات، أشارت منذ اللحظة الأولى بأصبع الاتهام نحو مخابرات الاحتلال وجواسيسه في قضية اغتيال الشهيد مازن فقها؛ فالكاتب في كيان الاحتلال" أفرايم غانور" كتب عن عملية اغتيال فقها؛ بأسلوب ماكر وخبيث؛ أن انعدام الوسيلة والردود المهددة التي جاءت من غزة في أعقاب التصفية؛ تثبت أن أصبع الاتهام موجه لـ(اسرائيل) لأنهم يعرفون بأنها هي وحدها قادرة على تنفيذ عملية مفاجئة كهذه، دون ترك آثار في الميدان.
"غانور"؛ وكعادة كُتّاب ومحللي كيان الاحتلال ينحازون دوما لكيانهم ويتلاعبون بالألفاظ والحقائق ويقلبونها دومًا، وفي حرب نفسية ماكرة؛ راح يزعم أن عمليات القتل الهادئ لا تسمح لأعداء كيانه؛ أن يعيشوا بهدوء، وتطالبهم بأن يغيروا كل يوم مكان نومهم، وأن يسيروا بإحساس بأن في كل لحظة من شأن أحد ما أن يفاجئهم، تخرجهم عن أطوارهم وتدفعهم لأن ينشغلوا بالنجاة بدلا من التخطيط للعمليات.
مسارعة وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان لنفي التهمة عن كيانه؛ دليل على خوفه من ردة فعل المقاومة، وإلا لما صرح لو كان يعلم أنه لا يد له في قتل الشهيد فقها؛ والذي عمل على زيادة مخاوفه هو عدم تعجل رد المقاومة، وتأنيها في الرد، وهو ما يعني –منطقيا- قوة ألم الرد لاحقا؛ للكيان.
عند الحديث عن أمن المقاومة يختلف؛ عن الحديث عن مخابرات النظم الاستبدادية؛ التي لا تسهر على اختراق العدو وإفشال مخططاته؛ بل تسهر على اختراق المواطن وعد أنفاسه وإذلاله وقمعه؛ أما المقاومة فتسهر على حماية شعبها وعدم اختراقه ورد الصاع صاعين للاحتلال.
في حالة وظروف المقاومة؛ مفهومها للأمن هو فقط حماية المقاومة وجمهورها؛ ووقف كل من يسئ للقضية ومحاسبة كل من تخابر مع الكيان الغاصب، فلا مكان لأي شخص يريد هدم وتخريب وطنه والتجسس على مقاومته وهزيمتها.
المقاوم أو المطارد وعلى اختلاف انتمائه وتوجهاته؛ هو ملك لشعبه وثورته ومقاومته وليس ملك نفسه؛ ولشعبه وأمته ومقاومته؛ الحق الكامل عليه أن يحافظ على نفسه وأمنه؛ ويحتاط بأقسى درجات الحيطة والحذر، فالمسير طويل والزاد قليل.
حالة الاحتلال وجواسيسه، وقمع وسلب الشعوب لحريتها ما هي إلا حالة عابرة سرعان ما تزول، كما حصل في السابق مع جميع الثورات والشعوب، وما حصل؛ حصل؛ لكن يجب استقاء العبر منه، واستلهام الدروس الكثيرة، ولا يصح النوم أبدا على أي اختراق للمقاومة، أو التراخي في تحصين الجبهة الداخلية للمقاومة وجمهورها وشعبها؛ كونها تواجه، وأمام احتلال؛ لا ينام ساعة واحدة عن أمنه المزعوم والمتهالك، ويملك وسائل تقنية للتجسس، متقدمة نسبيا عما تملكه المقاومة، يمكن التغلب عليها بكل بساطة؛ بتحصين الجبهة الداخلية، وبمزيد من الإرادة الصلبة التي لا تلين.