رغم المبررات التي يسوقها معسكر اليمين الإسرائيلي بخصوص الشروع بتنفيذ خطة الضم في الضفة الغربية وغور الأردن، والقائمة على ضرورة استغلال ما يسمونها "الفرصة السانحة"، في إشارة لدعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهذا المخطط، لكن هذا المبرر لا يبدو سببًا كافيًا "مقنعًا" للشروع في تنفيذه.
إن الشروع اليوم، وليس أمس، أو أول من أمس، في تنفيذ مخطط الضم يطرح أسئلة أكثر حرجًا لهذا اليمين: لماذا لم تناقش خطة الضم في كل سنوات حكم الليكود، في عهد مناحيم بيغن وإسحاق شامير وأريئيل شارون وبنيامين نتنياهو، في دوراته السابقة؟ ولماذا لماذا يجب أن يحدث هذا في الأول من تموز المقبل بالذات؟
تأتي الإجابة عن هذه التساؤلات من منظري الضم بأن هناك فرصة سانحة محظورًا تفويتها، ما دام أن الحركة الصهيونية عرفت دائمًا استغلال الفرص التي قد لا تعود، وبموجب هذه السياسة قبلت خطة التقسيم للأمم المتحدة عام 1947.
يتجاهل مؤيدو خطة فرض السيادة المزعومة على الضفة الغربية وغور الأردن، أن هذا المشروع يتطلب من جيش الاحتلال وضع سياج حول الجيوب الفلسطينية التي لا تزال داخل الأراضي الملحقة بإسرائيل، بما في ذلك مدينة أريحا، وهذا عدد كبير من الفلسطينيين الذين إن لم يحصلوا على جنسية إسرائيل، فسيصبحون من سكان "بانتوستان" في نظام الفصل العنصري، كما كان الأمر في جنوب إفريقيا.
هذا يؤكد أن الخطة التي يقودها نتنياهو للضم، وتوصف بالسيادة العقيمة، ستضر بإسرائيل على المدى الطويل، وسيجعلها أسيرة بين فلسطينيي الضفة وغزة، لأنهم قد يعلنون دولتهم فور الإعلان عن الضم، وقد لا توجد دولة واحدة في العالم تتنكر لهم، بل سيتم قبول دولتهم في الأمم المتحدة بعد يوم من إنشائها، وسيكون دخول الجيش الإسرائيلي إليها عبورا محظورا لحدود دولية، حتى الأمريكيون لا يستطيعون أن يوافقوا مع أي إعادة احتلال لمدن نابلس أو جنين أو رام الله.
هذا يعني وفق التصور الإسرائيلي أن الدولة الفلسطينية التي ستقوم بعد الضم ستبقى "عظمة في حلق" إسرائيل، لا قادرة على أن تلفظها، ولا أن تبتلعها، مع أن الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل، جزء من الشعب الفلسطيني، وسيسعون في مرحلة ما إلى "لم الشمل" مع تلك الدولة غير البعيدة عن منازلهم في المثلث ووادي عارة والنقب والجليل، ناهيك بملايين "اللاجئين" الذين يريدون العودة للدولة الفلسطينية الجديدة.
كما أن الكثيرين منهم سيستقرون على الحدود الشرقية لإسرائيل، وبالنظر للغرب نحو الأماكن التي تركها أجدادهم عام 1948، ستزداد رغبتهم في "قضم" الدولة اليهودية طوال الوقت، وفي النهاية سنحصل على دولتين، واحدة "فلسطينية"، والأخرى دولة "لكل مواطنيها".