لا يحق لأي حكومة أو منظمة على وجه الأرض أن تدَّعي أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب، فهناك معارضة لكل حكومة وقيادة مهما تنزهت عن عرض الدنيا، ففي قلاع الديمقراطية يتم التغيير من خلال صندوق الانتخابات، وفي قلاع الدكتاتوريات يتم التغيير بالثورة والانهيارات، فوحدانية تمثيل الشعوب ليست مطلقة، وكذلك الشرعية، ولا وحدانية إلا لله، وما دون ذلك على وجه الأرض فهو متغير، وله ضد، ودائماً الضد يظهر حسنه الضد.
ما ينطبق على أي حكومة في العالم يجري على منظمة التحرير الفلسطينية، فهي قيادة مثل كل القيادات في العالم، لها رؤيتها، وبرنامجها السياسي، وتتخذ قراراتها التي قد تكون صائبة وقد تكون خطأ، وعليه فإن قيادة منظمة التحرير هم بشر مثلنا، وليسوا ملائكة منزهين عن الخطأ، ومن حق الشعب الفلسطيني ومن واجبه أن يحاسب هذه القيادة، وأن يسألها عن نتائج قراراتها، أين فشلت في تحقيق الأهداف؟ وأين نجحت؟
حتى اليوم، وبعد 56 على انطلاقتها، لم يحدث أي تقييم لأداء عمل قيادة منظمة التحرير، ولم يقف الشعب موقف المحاسب والمسائل لقرارات المنظمة كما نص على ذلك النظام الأساسي، ولما تزل منظمة التحرير منذ سنة 1968 وحتى يومنا هذا تحت سيطرة فريق عمل فلسطيني، لا يسمح بالمحاسبة، ولا يسمح بمراجعة المسار، ولا يحتمل النقد، ويصر أنه الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني، شاء من شاء، وأبى من أبى!
الشعب الفلسطيني ليس قطيعاً، ومن حقه أن يختار قيادته التي ستقرر مصيره ومصير أبنائه، ومن حقه أن يفتش عن بديل إذا ضاقت عليه سبل الاختيار الديمقراطي، ولا سيما بعد أن تأكد الشعب من فشل القيادة في تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها المنظمة سنة 1964!
لقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل معظم الشعب الفلسطيني يوم كانت تطالب بتحرير كامل التراب الفلسطيني، ولكنها اليوم لا تمثل من الفلسطينيين إلا الجزء الذي آمن باتفاقية أوسلو، واعترف بإسرائيل، ونبذ المقاومة، واعترف بشروط الرباعية، وعليه فلا منطق لادعاء قادة المنظمة الحاليين بأنهم الممثل الشرعي والوحيد للشعب، وهم الذين كسروا العمود الفقري للمنظمة عندما شطبوا فقرات ميثاقها الذي لملم شمل الفلسطينيين!
قد يقول البعض: تكمن أهمية المنظمة في وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، وأنها الوطن المعنوي للفلسطينيين، وأننا قدمنا التضحيات كي تحظى بتمثيل الشعب، وكل ما سبق لا يحول دون المساءلة والمحاسبة لقيادتها، ولا يتحقق ذلك إلا بنسف التركيبة التنظيمية التي تهيمن على القرار، وهذا لن يتحقق بسهولة، فالقابضون على القيادة يتحصنون خلف مصالحهم، ولن يفرطوا بمكتسباتهم الشخصية حتى ولو تحطم الوطن، وضمت إسرائيل كل الضفة الغربية.
على الشعب الفلسطيني أن يتدارك الخطر، وعلى مثقفيه وقياداته وتنظيماته أن يفتشوا عن بديل تلتف من حوله الأغلبية، والويل لكم إذا أهدرتم مزيداً من الوقت في اللهاث خلف أوهام المصالحة، وأوهام التصحيح، وأوهام عدم التجريح، فمشروع الضم الصهيوني ماضٍ، ويفرض على الجميع الالتفاف حول قيادة قادرة على حمل راية المواجهة، حريصة على مصالح الوطن أكثر من حرصها على مصالح بعض الأفراد ومكتسباتهم!
ملحوظة: لم تعلن أي من المنظمات اليهودية التي عملت على إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين أنها الممثل الشرعي والوحيد، لقد عملوا بإخلاص وصمت من أجل هدف، ثم سلموا الأمر للشعب كي يختار ممثله الشرعي والوحيد، فهل فشلوا هم في تحقيق أهدافهم، ونجحنا نحن؟