قبل 54 عاماً، حين عرض موشى ديان وزير الحرب الصهيوني خطة الهجوم على الدول العربية، بما في ذلك خطة تدمير المطارات المصرية، اعترض قادة الجيش الإسرائيلي، فهذه الخطة تم تنفيذها سنة 56، فكيف نكرر تنفيذ الخطة نفسها، ونلقي بقواتنا إلى التهلكة.
قال لهم موشي ديان: لا داعي للقلق، فالعرب لا يتعلمون من تجاربهم!
فهل حقاً لا يتعلم العرب من تجاربهم، ليصير المجرم موشي ديان بطلاً عسكرياً منقطع النظير، وصاحب رؤية ثاقبة، أم أنّ الجيوش العربية كانت مخترقة أمنياً، وكان موشي ديان يمتلك المعلومة التي سهلت لسلاح الطيران الإسرائيلي ضرب المطارات المصرية، وحسم نتائج الحرب في ستة ساعات، والعودة بسلام!
لقد هزم العرب سنة 67 لأسباب كثيرة، ولكن أهم الأسباب هي الاختراقات الأمنية التي كانت السبب في هزيمة العرب سنة 48، وكانت السبب في اختراق شارون لقناة السويس في حرب 73، ومحاصرته منطقة السويس، وقطعة الإمدادات عن الجيش المصري الثاني شرق القناة، وكانت الاختراقات الأمنية السياسية سبباً في خروج مصر من دائرة الصراع بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، لتترك باقي الأرض العربية تئن تحت أحذية الأعداء حتى يومنا هذا.
الاختراقات الأمنية الإسرائيلية لمنظومة الدفاع العربية طالت كل الجبهات، بما في ذلك أرض لبنان سنة 1982، فلم يتقدم الجيش الإسرائيلي في 4/6/1982 باتجاه بيروت، ومحاصرتها لولا تمكنه من المعلومة الأمنية أولاً، وقراءته للواقع بشكل دقيق، ومعرفته مسارب ومداخل مدن الجنوب اللبناني، ومعرفته قدرات الثورة الفلسطينية، ومواطن ضعفها، وردة فعل الشعب اللبناني والدول العربية، فأقدم العدو على اجتياح لبنان وهو متيقن من النتائج.
وحتى يومنا هذا، فالاختراقات الأمنية تشغل بال المخابرات الإسرائيلية في أي مكان تتواجد فيه مقاومة، وأخص غزة ورجالها، فلا حرب على غزة دون الحصول على المعلومة، وستظل غزة في مأمن من العدوان طالما ظل الجيش الإسرائيلي يجهل أحوال غزة الأمنية، فعدو العرب لا يحارب على أرض مجهولة المعالم، وتحصنت بالسرية، وقطعت دابر العملاء، فالمعلومة هي السلاح الفتاك الذي ساعد الجيش الإسرائيلي في جميع حروبه العدوانية ضد العرب.
قبل أيام معدودة من تاريخ 5/6/1967، أقام الجيش المصري ساتراً من الحجارة على الطريق الوحيد الواصل بين مدينة خان يونس ومخيمها، وحين تساءل الناس في ذلك الوقت عن السبب في إقامة الساتر على مدخل المخيم، طالما أن جيشنا العربي سيحتل (إسرائيل)، وسندمر تل أبيب، ونعود إلى بيت دراس والمجدل وحمامة ويافا؟
يومها كان الجواب: هدف الساتر من الحجارة هو إعاقة حركة العربات الإسرائيلية فيما لو تقدمت إلى غزة، وكي يتم اصطياد الجنود الإسرائيليين كالفراش!
وكانت الصدمة يوم الاثنين 5/6/67 حين هام مئة ألف جندي مصري على وجوههم في صحراء سيناء، تصطادهم الأحقاد الإسرائيلية، وهي تدوس تحت جنازير الدبابة حجارة ساتر مخيم خان يونس، وتسحق حلم الشعوب العربية بتحرير فلسطين دون الأخذ بالأسباب.