كعادته كل صباح قبّل يدي والدته وطلب منها أن ترضى عنه، وانطلق أحمد غزال 17 عاما الساعة الثامنة والنصف صباحا، إلى عمله (مساعد مختبر طبيب أسنان)، مرت ساعتان على خروج أحمد ويفترض أن يكون بمكان عمله كالعادة.
العاشرة والنصف صباحا، صوت أحمد يسمع لآخر مرة .. "أحكي لأهلي أنا هيني طلعت أصلي بالقدس"؛ كان الاتصال من أحمد لمدير مختبر الأسنان الذي يعمل عنده منذ نحو عامين، وعلى الفور أخبر المدير والدة أحمد بعد أن اتصل بها، وكانت الأمور عند هذه عادية.
أحمد ابن حي رأس العين بنابلس، التقط لنفسه صورة بهاتفه الخلوي بالمسجد الأقصى بعد أداء صلاة الظهر، لعله لم يدرك أنها ستكون الصورة الأخيرة أم لا.
بشارع الواد بالقدس، أعدم أحمد ليلحق بمئات الشهداء الذين ارتقوا بسبب جرائم الاحتلال، والذين كان آخرهم الشهيدة سهام راتب نمر، والدة الشهيد مصفى نمر من مخيط شعفاط، وكل ذلك يندرج تحت محاولة تنفيذ "عملية طعن".
يكمل والده زاهر غزال الحديث لصحيفة "فلسطين": " تفاجأنا عصر يوم السبت باستشهاد أحمد وأنه نفذ عملية طعن بالقدس واستشهد على إثرها، حينها ذكرت لي والدته بما أخبرها به صاحب المختبر ( ..) كان الشيء صادما لم يتشاجر أحمد مع أي شخص طوال حياته، حتى أنه يخاف إن تأذت قطة أمامه".
في مساء السبت، اقتحمت مخابرات الاحتلال منزل غزال، أسئلة متعددة يسألها الضابط عن ذويه، حول "أصحاب أحمد، وأين يذهب، وإن كان قد أرسله أحدهم؟"، فرغم أن أثر الصدمة على اختطاف روح نجله بلمح البصر إلا أنه رد عليه واثقا: "ابني ملهوش بهيك أمور".
لم ينته والد أحمد من كلامه: "لم أرَ صورته.. ومستحيل أن يقوم بذلك"، رد الضابط: "لدينا فيديوهات تثبت ذلك"، ليطلب والد الشهيد من ذلك الضابط أن يريه تلك الفيديوهات التي يتحدث عنها، فقوبل طلبه بالرفض.
استمر غزال بمحاورة الضابط، قائلا له: "إن الفيديوهات التي ظهرت على شبكة الانترنت لم تظهر نجلي وهو يقوم بعملية طعن، وأنه حتى لو كان يحمل سكينا فيمكن أن يسيطر عليه الجنود ولا يقومون بإعدامه بدم بارد بهذه السهولة في إزهاق أرواح الشباب الفلسطينيين دون مراعاة لحق الطفل في الحياة".
ولا يستبعد والد أحمد أن يكون أحدهم اعتدى على نجله في القدس، وقامت عملية الإعدام بدم بارد على إثر ذلك، مواصلا حديثه، بأن أحمد يخرج يوميا إلى عمله ويعود العشاء ويخلد إلى النوم، وهو لا ينتمي لأي من الفصائل الفلسطينية.
يتساءل غزال عن دور حقوق الإنسان والمؤسسات التي تحمي حقوق الطفل الفلسطيني لإيقاف هذه الجرائم الفلسطينية، مؤكدا أنه لو تعرض طفل إسرائيلي لأي حادثة مشابهة فإن كل المؤسسات الحقوقية ستقف أمام الأمر.
وبنبرة صوت بدا عليها الفخر بنجله، يواصل: "أحمد يحب طاعة الوالدين، ويحب وطنه وعائلته، ملتزم بصلاته"، محملا الاحتلال مسؤولية إعدام نجله، وأن الشهيد لا يمكن "أن ينفذ ما أدعى به الاحتلال".
يتحدث عن طيبة الشهيد وأنه يحب عائلته ولا يغادر أو يعود إلى البيت إلا ويقبّل يدي والديه، وينال رضاهما، ويسأل عن الجيران وأحوالهم، ويحمل الأغراض عن كبار السن ويساعدهم.
"الله يبارك هيك شاب .. وهيك أخلاق ".. هذه العبارة التي يسمعها كثيرا والد أحمد، من المحيطين بهم مشيدين بأخلاق نجله الشهيد.