رغم كل ما يقال حول معارضة بعض الساسة الصهاينة لضم الضفة الغربية ورغم معارضة عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي أيضًا لخيار الضم، وكذلك رغم معارضة عدد من البرلمانين الأوربيين للضم، فإن حكومة تحالف نتنياهو غانتس ماضية في مشروع الضم إلى أبعد مدى بدعم أمريكي لا محدود؛ الأمر الذي يضيق هامش المناورة أمام رئيس السلطة محمود عباس في التعامل مع هذه القضية المصيرية، التي من شأنها إذا تمت أن تضرب مشروع السلام الذي هندسه الرئيس عباس على أساس حل الدولتين استنادًا إلى القرارين الدوليين 338،242، وحيث إن الكيان الصهيوني وعلى مدار تاريخه القصير في فلسطين، قد اعتمد سياسة فرض الوقائع على الأرض في قضايا ربما تكون أقل شأنًا من قضية ضم الضفة الغربية، لكنه لا يوجد ما يؤدي للاعتقاد بأن (إسرائيل) لن تلجأ لهذه السياسة في هذه القضية (قضية الضم) على وجه التحديد، إذ إن هذه القضية تعتبر لب المشروع الصهيوني، وحلم اليمين "المقلص" والذي بدأ بمشروع ما بين النيل والفرات.
وعليه فإن الرئيس عباس مدعو في المقابل لاتخاذ إجراءات غير اعتيادية لمواجهة هذه الخطوة، التي ستكون بمثابة إسدال الستارة على المشهد الأخير من اتفاق أوسلو، الذي بدأت مشاهده الأولى عام 1991 في مؤتمر مدريد للسلام، ويصبح مشروع أوسلو من قصص التاريخ التي سيذكرها السياسيون كأبرز المشاريع السياسية الفاشلة.
إذًا ماذا بوسع عباس أن يفعل؟
لنجيب عن هذا السؤال لنضع خيارات محمود عباس على الطاولة ونجربها افتراضيًّا على التوالي، ونرى أين تؤدي بنا نتائجها.
ولنبدأ من الخيارات الأسهل للأصعب
الخيار الأول: العمل الدبلوماسي المكثف:
سيتواصل الرئيس مع قادة الدول العربية والصديقة والأوروبية والدول الداعمة للحق الفلسطيني، والتي ستؤكد كلها لأبي مازن أنها ترفض هذه الخطوة ولن تعترف بها وأنها ملتزمة بحل الدولتين.
حسنًا ماذا بعد؟ سيصرح الرئيس أنه تلقى تأكيدات من كل الدول الصديقة والعربية على أنها ترفض الخطوة الإسرائيلية وأنها ملتزمة بحل الدولتين، فهل هذا سيوقف نتنياهو عن إكمال مشروعه؟ حسب قراءتنا في تاريخ تعامل (إسرائيل) مع المواقف الدولية فإنها لا تلقي لها بالًا، ولا يؤثر في مواقفها إلا الموقف الأمريكي، الذي ستلجأ إليه (إسرائيل)، لنجد الرئيس ترامب يعبر بكل وقاحة عن موقف الإدارة الأمريكية المؤيد للخطوة الإسرائيلية، وسيعتبرها حقًّا لـ(إسرائيل)، وبالتالي ستصبح هذه الخطوة مجرد صرخة في وادٍ لا صدى لها.
الخيار الثاني: اللجوء للشرعية الدولية
سيضطر أبو مازن أمام هذه الصلف الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا أن يلجأ إلى مؤسسات الشرعية الدولية "الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن".
طبعًا يدرك الجميع أن اللجوء إلى مجلس الأمن هو خيار عدمي في ظل الموقف الأمريكي المعلن والواضح بالدعم الكامل للكيان في مشروع الضم، وبالتالي فإن أي مشروع سيقدم لمجلس الأمن يتعارض مع الموقف الأمريكي سيكون مصيره الفشل بالفيتو الأمريكي، إذًا لن يبقى أمام أبي مازن سوى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي سيتقدم إليها بمشروع قرار رافض بأشد العبارات للخطوة الإسرائيلية، معتمدًا على الدعم التقليدي في الجمعية العامة للقضية الفلسطينية وسيحدث التصويت وسينال المشروع الفلسطيني دعمًا كبيرًا كالعادة، ولكن ما هي قوة التأثير لهذا القرار؟ حسب ميثاق للأمم المتحدة فإن قرارات الجمعية العامة هي مجرد توصيات لا تجد طريقها للاعتماد إلا إذا صدَّق عليها مجلس الأمن حسب نصوص المواد من10 حتى 15من ميثاق الأمم المتحدة ودعنا نكُن أكثر تفاؤلًا ونتصور للحظة أن التوصية عرضت على مجلس الأمن وامتنعت أمريكا عن التصويت وحصل القرار على الأصوات اللازمة للاعتماد فما الذي سيحدث يا ترى؟
الذي سيحدث هو أن القرار الصادر عن مجلس الأمن سيضاف إلى جملة القرارات الصادرة عن المجلس ذاته، والتي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط ولم تنفذها، لأنها لم تكن مشمولة بالنفاذ تحت البند السابع، وهو التنفيذ بالقوة الجبرية في حال عدم التنفيذ الطوعي، وطبعا كما تعلم عزيزي القارئ فإنه لن يكون هناك قرار ضد (إسرائيل) تحت البند السابع كما حدث مع بعض الدول العربية وأظنكم تعرفون السبب.
الخيار الثالث:
نعتقد أن الخيار الثالث هو الخيار الأصعب وهو يحتاج إلى قيادة قوية وعلى مستوى اللحظة التاريخية، ولديها من المخزون الوطني ما يدفعها للتخلي عن كل المزايا الشخصية والحزبية والاقتصادية، في سبيل الحفاظ على القضية الوطنية، ومن شأن هذه الخطوة أن تفرض وقائع على الأرض، تمامًا كما ذهبت (إسرائيل) لفرض الوقائع على الأرض، باختصار تتمثل هذه الخطوة في حل السلطة التي نشأت عن اتفاق أوسلو، ومن ثم إغلاق الأفق السياسي أمام تحقيق خطوة الضم التي تهدف إلى الاستيلاء على الأراضي دون المواطنين، حيث لا سلطة لحكم هؤلاء المواطنون ولا دولة، وبالتالي ستصبح الخطوة الإسرائيلية فارغة المضمون، لأنها ستبقي (إسرائيل) كقوة احتلال مسؤولة بموجب القانون الدولي عن المواطنين الواقعين تحت الاحتلال، ولا يوجد أي كيان سياسي تلقي (إسرائيل) بالعبء عليه لتدعي أن هؤلاء المواطنين مسؤوليته وأنهم -أي المواطنين- لهم (دولة) خاصة بهم، ومن ثم يجب أن تكلل هذه الخطوة بإشعال انتفاضة فلسطينية عارمة في كل أرجاء فلسطين تعيد الاعتبار للشعب الفلسطيني كما كان إبان الانتفاضة الأولى، لتعيد القضية الفلسطينية للمربع الأول، ومن ثم ستفقد (إسرائيل) كل الامتيازات التي منحها لها اتفاق أوسلو بدءًا بالاعتراف بحقها بالوجود وليس انتهاء بالتنسيق الأمني وتجريم الفعل المقاوم الفلسطيني.
فيا ترى هل يملك الرئيس عباس الشجاعة الوطنية للإقدام على هذه الخطوة؟