يتابع الإسرائيليون ما تظهره السلطة الفلسطينية من مواقف تجاه خطة الضم، ويحاولون التعرف على أسباب ما يرونه من سقف سياسي منخفض إزاءها.
أول هذه الأسباب، يعود لما يصدر عن السلطة من إدانات وتحذيرات من تنفيذ مشروع الضم، لكنها في الوقت ذاته حريصة على الحفاظ على قنوات الحوار مع (إسرائيل)، خاصة التنسيق الأمني، وتجنب الترويج لصراع عنيف ضدها لتحقيق أهداف سياسية، وخشية كبار مسؤوليها أن حماس قد تصبح أقوى، أو تسيطر تدريجياً على الضفة الغربية.
عامل آخر يتعلق، على الأقل وفق التقييم الإسرائيلي، بأن الجمهور الفلسطيني بالضفة يختلف في خصائصه اليوم عما كان في الأيام الأولى من عصر أوسلو 1993 وانتفاضة الأقصى 2000، فقد غمرت ذاكرته الجماعية الثمن الباهظ الذي سيدفعه عقب مواجهة واسعة النطاق مع (إسرائيل)، كما حدث بعد عدوان السور الواقي 2002؛ ونشوء مظاهر ميدانية بقيادة المجموعات المسلحة التي داهمت الضفة الغربية.
سبب ثالث يرتبط بما يمكن وصفها حالة اغتراب الجمهور الفلسطيني عن قيادته السياسية ممثلة بالسلطة، حيث ظلت علاقتهما محل جدل لسنوات عديدة، فكبار مسؤوليها متهمون بالفساد المالي، ويستغلون المؤسسات الحكومية، ويحافظون على أصولهم المادية، ويمنعون إحياء وتجديد النظام السياسي الفلسطيني.
عامل رابع يتعلق بأن السلطة لديها أغلبية كبيرة من الزعماء القدامى، أما تمثيل الأجيال الشابة فهو محدود للغاية، حتى أن استطلاعات الرأي تشير لهذا الاغتراب، وتظهر تطلع ما يزيد عن 60% من الفلسطينيين لاستقالة أبو مازن، ونتيجة لذلك، تجد السلطة صعوبة بتعبئة الجمهور في التحركات التي تروج لها.
دافع خامس يرتبط بمشكلة فلسطينية تتعلق بالأعباء المعيشية، بعد أن تمتعت الضفة بالاستقرار الاقتصادي، لكن معدلات البطالة مرتفعة نسبيًا، خاصة بين الشباب، والانخفاضات مستمرة في المساعدات المالية الخارجية للسلطة.
في المقابل، فإن استعراض المواقف الفلسطينية الرسمية المنخفضة من خطة الضم تدفعنا للحديث عن سلوك (إسرائيل) تجاه السلطة، التي بقيت في حالة احتكاك سياسي معها، وحرصت على فصل الأزمات السياسية عن المعيشية، وبقيت محافظة على اتصال مستمر معها على جميع المستويات، خاصة التنسيق الأمني.
لكن الجانبين، (إسرائيل) والسلطة، أظهرتا على مر السنين، حرصاً عميقاً على أهمية تحقيق الهدوء الأمني بالضفة الغربية، وعدم تقويض استقرار السلطة، رغم تطور تهديداتها لـ(إسرائيل) على خلفية مشروع الضم، لاسيما وأن المعطيات الاقتصادية تقلل من احتمالات الاحتجاجات الشعبية والنضال المسلح ضد (إسرائيل)، وفق القراءة الإسرائيلية على الأقل.
رؤية أخرى تتناول ما يظهره الفلسطينيون من استعدادات لمواجهة القرار الإسرائيلي بالضم، خاصة إطلاق الفعاليات الشعبية، ومنح ضوء أخضر لتنظيم مظاهرات جماهيرية، قد تأخذ أبعادا عنيفة، وربما تتدهور الأمور الميدانية.