بتاريخ 19/5/2020م أعلن الرئيس محمود عباس رده على قرارات الحكومة الإسرائيلية بضم أجزاء من الضفة الغربية، وذلك في كلمة له خلال اجتماع للقيادة، أبرز ما جاء فيها من قرارات:
- التحرر من جميع الاتفاقيات والتفاهمات والالتزامات كافة الموقعة بين فلسطين من جهة وبين (إسرائيل) والولايات المتحدة من جهة أخرى.
- على (إسرائيل) أن تتحمل جميع المسؤوليات والالتزامات أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال، وتحمل تداعيات ذلك.
- الانضمام إلى المؤسسات والمنظمات الدولية كافة دون قيود.
ما جدية الرئيس عباس في تنفيذ قراراته...؟ وما مدى إمكانية تطبيقها...؟ وما خيارات حركة حماس للتعاطي معها...؟
أولًا: جدية الرئيس في تنفيذ قراراته
فرض السيادة الإسرائيلية على 30% من مساحة الضفة الغربية، وتوجه الاستيطان الصهيوني نحو وسط الضفة، لتصبح محافظتا الخليل ونابلس مركزًا للاستراتيجية الاستيطانية في المرحلة المقبلة، ومع انقلاب (إسرائيل) على كل الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وانتهاكها المتكرر لمناطق (أ)، كل ما سبق وغيره الكثير يشكل أرضية لأن تكون قرارات الرئيس محمود عباس جدية، وأنه يمتلك نوايا حقيقية للتنفيذ.
إلا أن السياق التاريخي الذي رسم ملامح شخصية الرئيس وتوجهاته تصيب المراقب بحالة من الشك والريبة في حسم مدى جدية عباس في تطبيق هذه القرارات، وأن هذا السياق هو ضمن مناورة تكتيكية للضغط على المجتمع الدولي للعودة إلى المفاوضات، فعلى سبيل المثال هدَّد الرئيس محمود عباس بحل السلطة ثماني مرات ولم ينفذ، وهدّد بسحب وإلغاء الاتفاقيات سبع مرات، وأوقف التنسيق الأمني إحدى عشرة مرة، ولكن على الأرض لم يتغير شيء، والمناسبات التي أعلن ما سبق عنها لا تقل خطورة على إعلان ضم أجزاء من الأرض الفلسطينية لصالح دولة الاحتلال، ولعل أهم هذه المناسبات صفقة القرن ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
لكن هنا كمراقبين لا نحكم على النوايا، بل نراقب الإجراءات على الأرض، ولكي نفهم توجهات الرئيس علينا قراءة عميقة للقرارات السابقة الذكر، ففي القرار الأول هو يتحرر من كل الاتفاقيات الموقعة، ويحمل (إسرائيل) المسؤولية كقوة احتلال، وفي القرار الثالث يتوجه للانضمام لكل المؤسسات الدولية، وهو ما يعني أن الرئيس عباس سيبدأ مرحلة عملية في التحول من السلطة إلى الدولة، فهل يستطيع دون موافقة الاحتلال والولايات المتحدة...؟
في تقديري أن واقع الضفة المحتلة كجغرافيا حبيسة تحيط بها دولة الاحتلال من كل جانب لا يسهل القيام بأي عملية تحول نحول لا تراعي المتطلبات الأمنية والسياسية والاقتصادية الإسرائيلية، فكيف لدولة فلسطين أن تقام على كامل حدودها التي كفل القانون الدولي لها بذلك عبر حدود الرابع من حزيران/ 1967م، والاستيطان جاثم على أراضيها، ونهب الثروات المائية، والتقسيمات الإدارية، والأوامر العسكرية، وربط المصالح الاقتصادية بشكل كبير بالاقتصاد الصهيوني عبر فتح المجال للعمالة الفلسطينية للعمل داخل فلسطين المحتلة، كيف لكل ذلك أن يحصل والعلاقات بين الاحتلال والسلطة قائمة على تحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة، فهذا ضمنيًّا يعني العودة إلى ما قبل أوسلو، أو أن الخطوة مناورة تكتيكية لتحقيق هدف تحسين نهج التفاوض والتسريع في مسار الإنجاز السياسي، والدعم الدولي للحقوق الفلسطينية، أي اللعب على وتر التناقضات التي تعصف بالنظام الدولي.
ثانيًا: خيارات حماس
حركة حماس تتأمل المشهد وتنظر إليه ضمن مسارين:
الأول: سعيدة لفشل مشروع التسوية، وتراجع مهندسه الأول عنه ما يؤكد صوابية طرحها ونهجها وبرنامجها.
الثاني: قلقة في التعاطي مع تداعيات قرارات الرئيس.
هذا التناقض الذي تعيشه الحركة من وجهة نظري، لا تعيشه حماس وحدها بل الحركة الوطنية الفلسطينية ككل، حيث نجحت إسرائيل منذ زمن في تقسم الفلسطينيين إلى خمسة أقسام هي: (قطاع غزة -القدس -الضفة الغربية -فلسطينيو 1948م -الشتات والمنافي).
وأشغلت (إسرائيل) كل منطقة بهمومها، وزاد الانقسام الفجوة بين المناطق الخمسة، حتى أصبح كل طرف متمسكًا بمكتسبات وهمية يخشى عليها من خصومه السياسيين، وهو ما أصاب القرار الفلسطيني بنوع من الاضطراب والتناقض، وأصاب الرأي العام الفلسطيني بحالة من الإحباط وعدم الاكتراث، وهذه المرحلة الخطرة التي نعيشها عي السبب المباشر في تجرؤ العالم على مشروعنا الوطني، وحقوقنا السياسية.
وفق ما سبق فإن خيارات حماس للتعاطي مع قرارات عباس سأجملها وفقًا للأكثر ترجيحًا:
- الانتظار والترقب: جوهر هذا الخيار يتمثل في فحص مدى جدية الرئيس في الانتقال من مرحلة النظرية إلى مرحلة التطبيق، وتمتلك حماس في الضفة المحتلة مؤشرات قياس تستطيع من خلالها فهم توجهات عباس وإلى أي اتجاه يسير، فإن كان صادقًا في حديثه فهذا يعني تطابقًا في المواقف وعليه أتوقع أن تنتقل حماس إلى الخيار الثاني الذي سأسرده بعد قليل، ولكن قبل الذهاب لا بد من وضع بعض المؤشرات التي تعكس جدية الرئيس في تنفيذ قراراته وقدرته على التنفيذ في ظل وجود جماعات مصالح قوية ترى في هذه القرارات تهديدًا مباشرًا على مصالحها، وتطمح في خلافة عباس في حال حققت نجاحًا في إفشال تنفيذ هذه القرارات، ومن أهم هذه المؤشرات خمسة:
- تعاطي الأجهزة الأمنية مع مناطق (ج) ومع اقتحامات (إسرائيل) لمناطق (أ) المتكررة.
- ملف المعتقلين السياسيين في الضفة، والعلاقة مع قطاع غزة.
- الملف الاقتصادي والتحرر من اتفاقية باريس الاقتصادية.
- محكمة الجنايات الدولية وجدية السلطة في تقديم ملفات قضائية ضم جرائم الاحتلال.
- القبضة الأمنيةأأمنية الفلسطينية على المقاومة الفلسطينية شعبية كانت أو مسلحة.
- الدعم والمساندة: في حال وجدت حماس أن الرئيس جاد في تنفيذ خطواته فإن فرص الدعم والمساندة والتحالف معه ستكون قوية، وهو ما يعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني عبر وحدة ميدانية وجغرافية ستكون الرد الأقوى والأنسب على ما يجري من مشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية.
- خيار قطف الثمار: ويقوم هذا الخيار على ترك عباس يلقى مصيره ويتحمل نتائج ما زرعت يداه، ويقطف الثمرة وحده، وهذا الخيار حتى وإن كان له وزن فإن نتائجه وخيمة على المشروع الوطني، وعليه أرى أنه أضعف الخيارات.