تظهر إسرائيل انشغالا لا تخطئه العين، بالتهديد الذي أعلنه أبو مازن بخصوص وقف التنسيق الأمني، سواء كان جدياً حقيقياً أو تهديداً فارغًا، وهل سيكون وقفاً جزئياً أم نهائيًا، مع العلم أن الجدول الزمني لإنهاء هذا التنسيق سيجد طريقه على أرض الواقع، وهو ما سيتحدد في قادم الساعات والأيام المقبلة.
في الساعات القليلة الماضية نقل الإعلام الإسرائيلي تصريحات لمسئولين فلسطينيين لم يكشفوا أسماءهم لاعتبارات معروفة، وقدموا تفسيرات متباينة لتهديد عباس، لكن المتفق عليه بين الجانبين، السلطة وإسرائيل، أن أنشطتهما، منفصلة أو مشتركة، ستتواصل ضد حماس في الضفة الغربية، خشية أن تستغل الحركة الوضع الجديد لترميم بنيتها التحتية العسكرية والمدنية.
مع أنه حين تم فيه تجميد التنسيق الأمني في أعقاب أزمة البوابات الالكترونية في الحرم القدسي في 2017، كثفت السلطة الفلسطينية أنشطتها ضد حماس في الضفة الغربية.
حتى كتابة هذه السطور، لم يخضع بيان أبو مازن حول التنسيق الأمني للاختبار على الأرض، مع ترجيح ذلك في الأيام والليالي المقبلة، عندما تدخل قوات الجيش الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية للقيام باعتقالات روتينية، مع أنه ليس سراً أن الإلغاء الكامل للتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، يقضي عملياً على وجود الأخيرة، التي ولدت من اتفاقيات أوسلو.
راقب الإسرائيليون ردود الفعل الفلسطينية الباهتة إزاء تهديد عباس بوقف التنسيق الأمني، خاصة وأنه لم يثر حماس الفلسطينيين الذين سمعوه يهدد بذلك مرات عديدة في الماضي، والآن ينتظرون رؤية ما سيحدث بالفعل، لأن ذات تهديد الأيام الماضية تكرر في عشرات المناسبات والمؤتمرات والتصريحات، فهل تم إنهاء التنسيق الأمني؟ الجواب لا.
في قراءة إسرائيلية لافتة لدعوة عباس بوقف التنسيق الأمني، اعتبرت أنها خطوة رمزية، وتستهدف الإشارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي البديل بيني غانتس، على اعتبار أنه قد يكون إعلانا تصريحيا فقط، ولا توجد نية للانسحاب من اتفاقات أوسلو، فمثل هذا القرار سيؤدي لحل السلطة الفلسطينية، ولا أحد يفكر بهذا التوجه، على الأقل حالياً.
اللافت أنه رغم تصريحات عباس، فإن أي خطوة تتخذها السلطة تحتاج للتنسيق مع إسرائيل، وفي حال رغبت بالحصول على مساعدة من أي دولة، فهي بحاجة لذلك التنسيق، وهذه معضلة جديدة ستكون ماثلة أمام السلطة.
يبدو أخيراً أن عباس اختار كلماته بعناية، وترك نافذة صغيرة للمناورة، وهذا يعني أن هذا اليوم لا يختلف بالضرورة عن الأمس فيما يتعلق بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، لكن الرجل أصدر بطاقة صفراء لإسرائيل، وقد يصبح التنسيق الأمني أقل حدة وحميمية مما هو عليه اليوم، وربما ننتظر أزمة أخرى مزعجة مع إسرائيل، قبيل صدور البطاقة الحمراء، إن ظهرت!