مع اقتراب العد التنازلي لفرض إسرائيل سيادتها المزعومة على مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن، تزداد ذرائعها حول وجاهة هذه الخطوة الاحتلالية، بزعم أن المناطق التي سيتم ضمها في الضفة هي جوهر الحدود الأمنية لإسرائيل، فتلالها المرتفعة تشرف على الأراضي الساحلية المنخفضة، خاصة في القدس وتل أبيب، حيث يعيش 80% من الإسرائيليين، بجانب البنى التحتية المدنية والأمنية بالغة الأهمية.
وفيما تعتبر التلال الشرقية للضفة الحاجز الفعال للدبابات في المنطقة، فإن تلالها الغربية خيار مفضل أمام تنفيذ عمليات فدائية فلسطينية، قد تجعل السهل الساحلي بعرض 15 كم نسخة أكثر إيلاما من غلاف غزة.
يزعم الإسرائيليون أن السيطرة على تلال الضفة شرط لا غنى عنه، حيث يصعب التغلب على سيناريوهات سلبية وغير متوقعة قد تشهدها هذه الحدود الأمنية، خاصة وأن هذه الحدود لا تضمن استمرار الهدوء الأمني فيها اتفاقيات السلام فقط، لأنها قد تكون هشة ومؤقتة مثل الأنظمة التي وقعتها، وهذه الحدود يجب أن تكون قادرة على تحمل خروقات السلام، وفق التقدير الإسرائيلي.
أكثر من ذلك، فإن الفوضى الأمنية في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، قد تنتقل لأي دولة عربية، وتتسبب بثورات سياسية مثل إيران، التي انتقلت في 1979 من حليف مخلص لإسرائيل إلى عدو شرس، كما أن تحولا مماثلا في الأردن سيحسن بشكل كبير حيوية الضفة الغربية.
إن امتلاك إسرائيل للحدود الأمنية، يجعلها آمنة من تعرضها لهجوم مفاجئ، بإسراعها لتعبئة قوة احتياطية بنسبة 70% من الجيش في غضون 48 ساعة، وبالمقارنة، فإن وضع سيناء التي تبلغ مساحتها 60 ألف كم2، تحتاج لـ50 ساعة لتجنيد الاحتياط في النقب، أما في الضفة، فإن مساحتها 5500 كم2، وبحاجة لـ5-10 ساعات للقيام بمهام التجنيد.
في حرب عام 1967 هزمت إسرائيل الجيوش العربية، لكن في حرب عام 1973 انهار تفوق جيشها، وواجهت حربا من الإبادة، وتم تجنبها إلى حد كبير بسيطرتها على سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان.
لا تمتلك إسرائيل عمقا جغرافيا داخل حدودها، لذلك تزداد الميزة الطبوغرافية لسلسلة جبال الضفة، وبالمقارنة مع الميزة التكنولوجية التي قد تكون عابرة، فإن الميزة الطبوغرافية أبدية، وكلما تدهورت القدرة التكنولوجية للعدو، زادت أهمية تأثير المنطقة على ممارسة قواتنا، ومنع العمليات المسلحة والغزو الأجنبي.
كل ما تقدم يؤكد أن السيطرة على التلال الجبلية للضفة تعزز صورة إسرائيل للأمن القومي، لأن دولة فلسطينية بالضفة، ستحول دولة الاحتلال من منتج إلى مستهلك للأمن، من ذخر استراتيجي إلى عبء أمني على الولايات المتحدة، ومن كيان قوي إلى دولة تترنح أمام عمليات معادية، وتتأرجح بصورة غير مسبوقة.