يلوّح بعض الساسة الفلسطينيين بالدولة ثنائية القومية كرد على مشروع ضم الضفة الغربية، ومنطلق التفكير لهؤلاء القوم يستند إلى القعود عن الفعل، والاعتماد على التكاثر البيولوجي، وزيادة التعداد السكاني، وأن غالبية القاطنين بين النهر والبحر هم عرب فلسطينيون، وعليه فإن ضم إسرائيل لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية يشكل فرصة تاريخية للتخلص من حل الدولتين، واعتماد دولة واحدة، يعيش فيها اليهود والعرب سواء، وتحت نظام حكم ديمقراطي، ودون ذلك، فستكون إسرائيل دولة عنصرية، منبوذة على مستوى العالم، ويستشهد أصحاب هذه الفكرة بدولة جنوب إفريقيا، وكيف صار انتقال الحكم بيسر وسلاسة إلى السود بعد أن كان في قبضة العنصريين البيض.
لقد نسي أصحاب فكرة الدولة ثنائية القومية أهم ركائز قيام دولة الصهاينة، والتي تقوم على أرض أوسع وسكان أقل، وهذا ما حدث سنة 1948، حين اغتصب الصهاينة أرض فلسطين، وطردوا معظم سكانها، ولم يستبقوا إلا العدد الذي يبعد عنهم تهمة الدولة اليهودية في تلك المرحلة من الضعف والتشكك، وهذا ما حدث سنة 67، حين تعمد الصهاينة طرد الناس من غزة والضفة الغربية من خلال تشجيعهم على الرحيل مقابل المال، وحدث ذلك في اتفاقية أوسلو التي قسمت الأراضي المحتلة إلى ثلاث مناطق، اختصت منها منطقة "ج" بأوسع مساحة، وأقل سكاناً، وهو ما تعمل له هذه الأيام من خلال ضم 30% من الأرض بسكان أقل من 2%، وبما يضمن نقاء الدولة من الشوائب القومية.
سياسة الترحيل والتهجير والطرد وتضييق الحياة على الفلسطينيين المقيمين في منطقة "ج" هو الهدف الذي ما انفكت تمارسه سلطات الاحتلال، وقد يتسع الطرد ليطال سكان المثلث، وإلحاقهم بالتجمعات الفلسطينية الكبيرة، بهدف الوصول إلى يهودية الدولة النقية من الأعراق، وهذه الدولة لا تترك شيئاً للصدفة، أو للاجتهاد، دولة تضع الخطط، وتعد البرامج، وتبدأ بالتطبيق، والذي يزعم أن قرار الضم لأراضي الضفة الغربية جاء من خلال صفقة ترامب مخطئ، فالضم للضفة الغربية تم منذ الموافقة على وجود منطقة "ج" في اتفاقية أوسلو، ومنذ الموافقة على التنسيق والتعاون الأمني لحفظ أمن المستوطنين الذين ما برحوا يستولون على الأرض، ويقيمون عليها المدن حتى صار عددهم يتجاوز 700 ألف مستوطن، لقد فرضوا الحقائق على الأرض قبل أن يعلنوا عن الضم.
منظِّرو الدولة ثنائية القومية يهربون من المواجهة، ويحرصون على إضاعة المزيد من الوقت كي تحقق إسرائيل أهدافها الاستراتيجية بهدوء وصمت، فالذي يخطط للمستقبل في إسرائيل ليس غبياً، ولا هو مرتجل للمواقف، وإنما هم منظومة دقيقة من المؤسسات الفكرية والسياسية والاجتماعية القادرة على اتخاذ القرار، وإعداد الأرض لتطبيق القرار، لذلك كان من الأجدر بأصحاب نظرية الدولة ثنائية القومية أن يعترفوا بفشل مشروعهم السياسي برمته، وفشل نظرية عزل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي والإسلامي، ولتكن بداية مشوار التصحيح من خلال توحيد الرد على الضم بالتنسيق والتعاون مع الشعب العربي الأردني، كمقدمة لإلقاء حمل القضية الفلسطينية على كتف الشعوب العربية مجتمعة.