أخذ شكل استخدام الحجارة في الضفة الغربية عدة طرق في المخيمات والحارات الآهلة بالسكان، وذات الأزقة الضيقة والملتوية، خاصة في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، العديد من الأساليب.
من هذه الأساليب استخدام الحجارة من قبل جماهير الشعب الفلسطيني، باليد مباشرة ضد الجنود والمستوطنين، ووسائط نقلهم ومعسكراتهم، والأبنية التي يقبعون فيها، وإلقاء الحجارة الكبيرة من فوق الأبنية لقتل قائد أو جندي كبير من جيش الاحتلال أو المستوطنين، كما جرى في عملية "يعبد" الأخيرة، بجانب استخدامها في المتاريس لقطع الطرق أمام الإسرائيليين بهدف إعاقة تحركهم، أو لإيقاعهم في كمين الشبان.
أشارت السنوات الأخيرة في الضفة الغربية إلى أن الاستخدام الصحيح والدقيق والمنظم للحجارة وفق الأشكال السابقة، يحولها سلاحا قاتلا، قادرة على إيقاع الإصابات العميقة والمؤلمة، وإحداث تشويهات كبيرة في جنود الاحتلال ومستوطنيه.
ونجحت هذه الحجارة، رغم بدائيتها، باستدراج المحتل الإسرائيلي رغما عنه إلى قلعتها، وهي الساحة الرئيسة التي يفقد فيها الجيش ميزة التفوق العسكري والتقني، وتضطره لمقابلة الحشود الجماهيرية الشعبية الثائرة بحشود الجنود المسلحة بأدوات القمع، لا أدوات الحسم، وإتقانها لإدارة الصراع مع المحتل، وحينها لا يفيده استخدام الطائرات الحربية الحديثة، ولا التشكيلات النظامية للفرق والألوية المدرعة.
أيقنت المقاومة في الضفة الغربية أن الدبابة الإسرائيلية لم تصنع لتحارب فتى أو شابًا فلسطينيًّا يحمل في مواجهتها حجرًا، ويستمد قوته وجرأته اللامتناهية من خضم محيط شعبي مسلح بإرادة وطنية قوية وصلبة، وبأسلحة معنوية فاعلة لا تنضب، أفقدت المحتل كل فاعلية تذكر لسلاحه المادي المتفوق، وكان للحجر، دور كبير في إصابة العالم بالذهول، وهو يرى الفلسطينيين يتصدون بحجارتهم لجنود الاحتلال وجيباتهم العسكرية.
وهكذا توصّل الفلسطينيون، خاصة في الضفة الغربية، التي تعاني شحاً كبيرًا في الأسلحة النارية، إلى أن سلاح الحجارة لا يحتاج إمدادات، ولا صفقات ذخيرة، ولا خطوط تموين، ولا قواعد خلفية، ولا دعمًا خارجيًا، ولا علاقات دولية، فالأحجار ملء الطرق والتلال في الضفة الغربية، والمقاومون ليس عليهم إلا أن يمدوا أيديهم ليلتقطوها، ويقذفوا بها نحو أعدائهم المحتلين.
هذا النوع من الحرب التلقائية لا يملك أحد السيطرة عليها، ليوقفها، أو يصعد درجتها، مما منحها أجنحة حرة حلقت بها عالياً وبعيدًا، رغم امتلاك الاحتلال ترسانة فتاكة، من السلاح النووي، الطائرات، الصواريخ، والمدفعية، لكنها كلها وقفت عاجزة أمام شبان يلقون بالحجارة على القوافل الإسرائيلية وجنودها.
الحجر هو الحجر، لكنه في يد مقاومي الضفة الغربية تحول قذيفة صاعقة، وكل من تتبع حالة جنود الاحتلال، وهم يُقذفون بالحجارة، شعر يقينًا بحجم الرعب الذي أصيبوا به، وهذه عينة من دروس عملية "يعبد" الأخيرة، وقد تشكل إلهاماً لعمليات أخرى قادمة في الطريق.