فلسطين أون لاين

عملية "يعبد".. تعيد الحجارة للصدارة حين غابت البندقية 2-3

مما منح الحجارة في الضفة الغربية أهمية متزايدة، أن التطور التدريجي الذي شهدته أساليب المقاومة الفلسطينية خلال هذه العقود الثلاثة، نتج عنه في قطاع غزة تحول هذه المقاومة لما يشبه جيشاً نظامياً مجهزاً مدرباً مزوداً بالأسلحة المصنعة محلياً، لكن الضفة الغربية لم تنتقل إليها التجربة الغزية، بفعل ما تقوم به إسرائيل والسلطة الفلسطينية ضد أي توجه من هذا القبيل.

كل ذلك جعل الحجر في الضفة الغربية أكثر الأسلحة شهرة، لأن استعمالاته متعددة، وبشكل يومي، خصوصاً في المصادمات خلال التظاهرات الصاخبة مع الاحتلال، ما منحه ميزة مهمة، وغدا أداة فعالة لقذف قوات الجيش وآلياته العسكرية، كما استخدم لإقامة الحواجز وإغلاق الطرق وبناء السواتر والمتاريس والكمائن.

لم تكن عملية جنين في الساعات الأخيرة حدثا خارجا عن النسق القائم في الضفة الغربية، فمنذ سنوات قليلة، أخذت الجماهير الفلسطينية هناك تستعمل الحجر بكثافة ضد القوافل العسكرية والآليات، والدوريات الراجلة ومراكز المستوطنين، وتزايدت العمليات البارزة التي استعمل فيها الحجر بكثافة كأداة رئيسة، وسجلت الإحصائيات التي اعتاد الناطق العسكري الإسرائيلي إصدارها صعودا مطردا في استخدام الحجارة خلال المواجهات مع قوات الجيش.

تعود كثرة استخدام الحجارة كأحد أبرز أسلحة الفلسطينيين، للمزايا التي امتازت بها: كتوافرها في كل مكان، ولا تستورد من الخارج، وفي متناول الجميع، وكونها سلاحا جماهيريا، وقادرة على تلبية طبيعة المرحلة، وليست مقتصرة على المجموعات الفدائية، وأمكن للفلسطينيين من كل الأعمار استخدامها، وارتجال طريقة إلقائها بالطريقة التي تريحهم، وتضمن في الوقت ذاته إصابة الهدف الإسرائيلي، وإمكانية استخدامها مرات عدة، وربما لما لا نهاية، ولا يمكن نزعها أو مصادرتها.

كما لا يتطلب استخدام الحجارة دورات تدريبية، أو حلقات توعية، وبوسع المقاوم الفلسطيني أن يلقيها وينسحب، فيضمن لنفسه البقاء، ولا يتطلب سلاح الحجر عملية تنظيم مركزية أو قيادة قوية، ولذلك حين يزداد استخدامها بتقدير مبدع، فإنها تحرم الإسرائيلي من عد ما تشهده الضفة الغربية بأنها حالة حرب، بحيث تبيح للجيش اعتماد أساليب القتال، وفي مقدمتها الأسلحة الثقيلة.

إن لجوء المقاومة في الضفة الغربية للحجارة ضد الإسرائيليين، جنودا ومستوطنين، دفع بأحد قادة جيش الاحتلال للقول: "إن "جنرالات" الحجارة أدركوا بعمق حدسهم أنهم وصلوا للمرحلة الثالثة من مراحل "ماوتسي تونغ" للثورة الشعبية، وتملكوا ناصية أسس التكتيكات الخاصة بالهجوم، وتطويق جناح الجيش الإسرائيلي، والكمائن والهجوم المضلل والتراجع التكتيكي".

نجحت المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية باستخدامها للحجارة، بإفقاد المحتل الإسرائيلي لميزته الإستراتيجية في الحرب الخاطفة، التي تتلاءم معه، وتقوم كعقيدة عسكرية على أساس التقنية العالية والقوة العسكرية الضاربة، وتؤدي لنصر عسكري يمنح الاحتلال الشعور بالأمان لسنوات.