تغضب بعض الفصائل عندما نقول إنها لم تحافظ على الحقوق الفلسطينية وإنها تنازلت عن التمسك بثوابت شعبنا. لأن حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم ولأن ثوابتها ليست مسألة نسبية يكون الحسم في مثل هذه الخلافات سهلًا إلا لمن أراد العناد والمكابرة. فصائل منظمة التحرير عجزت عن تنفيذ برنامجها التحريري الذي قامت من أجله وهو تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، فالمنظمة نشأت قبل النكسة عام 1967 ولهذا فإن برنامج منظمة التحرير بما فيه من ثوابت ومحرمات فيما يخص تحرير مناطق 48 لم يبق منه أي بند أو أي حرف، بل إن برنامجها الحالي يقوم على التنازل والاعتراف بشرعية المحتل لتلك الأراضي.
إنني أخطئ من ارتكب إثم التنازل بحجة أنه لا سبيل لإقامة دولة فلسطينية إلا من خلال أوسلو على سبيل المثال، لا أحبذ اللجوء إلى التخوين لأن فيه قطعا لإمكانية الإصلاح وتصحيح الأوضاع، فإن وصفنا أي طرف بالخيانة فهذا يعني أنه لا إمكانية لعقد مصالحة معه ولا حتى التعايش ومن يعقد معه مصالحة يكون شريكًا له، ولهذا لا بد من الحفاظ على شعرة معاوية لأننا بحاجة إلى الوحدة الوطنية ومن دونها سنذهب إلى ما هو أسوأ مما نحن فيه، ودعونا من الشعارات غير المنطقية والتزمّت غير المبرر.
رغم الحاجة إلى المصالحة والوحدة لا بد أن نتفق جميعا على أن التنازل عن الحقوق والثوابت خطيئة، والثوابت هي ما أثبتها التاريخ والجغرافيا والشرع، فلسطين من البحر إلى النهر وتحريرها على رأس الثوابت, وأي انتقاص من هذه المساحة يعتبر تنازلا غير مشروع، (إسرائيل) محتلة ووصفها بأنها صاحبة حق لشبر من الأرض يعد تنازلًا ولا جدال في ذلك، اللاجئون الفلسطينيون في الشتات لهم حق العودة واسترجاع ما سرقه المحتل إضافة إلى حقهم في التعويض عن سنوات العذاب والحرمان من الوطن، وهذه أيضًا من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ومن المسلمات التي لا نقبل أن يتلاعب بها المجتمع الدولي ولا أن يتم التنازل عنها من خلال مبادرات عربية أو فلسطينية، فكل مبادرة فيها تنازل عن حقوقنا وثوابتنا لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ولكن المهم كما قلت ألا نتلاعب نحن بثوابتنا بل أن نصر على التمسك بها حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وإلى ذلك الوقت يمكننا أن نتصالح داخليًا على أساس القواسم المشتركة ليس حبًا في المصالحة فقط وإنما حتى لا نضيع أكثر فأكثر، كما أنه يمكننا الموافقة على حلول سياسية مؤقتة مع المحتل على أنه محتل لا صاحب حق أو شرعية.