في الوقت الذي تنشغل فيه إسرائيل بأزمة فيروس كورونا، بدأت الأوساط السياسية والقضائية فيها تتحضر لقرار محتمل من المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه الاتهام لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، لكن السياسيين ووسائل الإعلام الإسرائيلية اختارت حتى كتابة هذه السطور مهاجمة هذا التوجه العالمي، بزعم أن المحكمة الجنائية لا تمتلك السلطة للتحقيق بجرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
في الظروف العادية، لن يفوت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة لمهاجمة المحكمة والمدعي العام بأقسى العبارات الممكنة، مدعيا أن الدافع وراءها هو المشاعر المعادية للسامية، والمؤيدة للفلسطينيين، وهو ما دأب عليه غالبية المسئولين الإسرائيليين في جميع تصريحاتهم خلال الأيام الماضية، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.
تمتلك المحكمة الدولية تمتلك أسبابا وجيهة لفتح تحقيق ضد إسرائيل بشأن جرائم حرب خطيرة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، خاصة في ثلاث قضايا منفصلة: جرائم الحرب التي شنها الجيش في غزة في أثناء عملية الجرف الصامد 2014؛ وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية؛ وإطلاق الجيش الإسرائيلي النار على متظاهرين فلسطينيين على طول حدود غزة في مسيرات العودة 2018.
لكن إسرائيل قررت شن حملة دبلوماسية ضد المحكمة، ولم يكن نتنياهو الوحيد في ذلك، بل شمل الهجوم متعدد الأوجه كبار الوزراء وخبراء قانونيين بارزين، وادعى جميعهم أن حجج المدعي العام لا أساس لها، وزعموا أن دوافعها مسيسة.
أما المدعي العام الإسرائيلي أفيحاي ماندلبليت، فقد أصدر موجزا يؤكد فيه أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها سلطة قانونية في المناطق الفلسطينية، لأن السلطة الفلسطينية ليست دولة ذات سيادة، فيما تعاملت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل مكثف مع القرار الدرامي لتحليل جميع آثاره المحتملة.
أحد أخطر الآثار المترتبة على قرار المحكمة، هو احتمال القبض على عدد من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين إذا غادروا إسرائيل، بمن فيهم رؤساء الأركان السابقون وغيرهم من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، ومنهم القادة الحاليون لحزب أزرق-أبيض الجنرالان بيني غانتس وغابي أشكنازي.
في الوقت نفسه، نشرت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية جميع أنواع التحقيقات المتعلقة في ماضي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، فوصفها بعض الإسرائيليين بأنها متعطشة للسلطة، وامرأة خدمت الديكتاتورية العسكرية في وطنها، غامبيا، ومتورطة في انتهاك منهجي لحقوق الإنسان هناك.
إسرائيل التي ردت على المحكمة الجنائية الدولية، بدأت بتنسيق الجهود المشتركة بين الوزارات للتعامل مع أي قرار محتمل صادر عنها، بزعم أن المدعي العام للمحكمة يواصل اتباع سياسة واضحة مناهضة لإسرائيل، تحت تأثير الدول الإسلامية، وحركات مقاطعة إسرائيل حول العالم.