يرى الباحث في شؤون الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني شاؤول أرئيلي، أن تشريع قانون يقضي بضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، كما ورد في الخطوط العريضة للاتفاق الائتلافي لتشكيل حكومة نتنياهو - غانتس استنادا إلى "صفقة القرن"، سيشكل تغييرا دراماتيكيا في موقف الحركة الصهيونية وحكومات (إسرائيل) المتعاقبة، المتعلق بالحسم بين أهداف الحركة الصهيونية الثلاثة المتمثلة بإقامة دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية على كل أرض فلسطين التاريخية.
وكان وجود أغلبية غير يهودية تحظى باعتراف العالم بحقها في تقرير المصير في البلاد، قد اضطر الحركة الصهيونية منذ عام 1948 وحتى اليوم إلى ترجيح خيار الدولة الديمقراطية ذات الأغلبية اليهودية، على جزء من أرض فلسطين التاريخية فقط.
ويقول أريئلي في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، إن تغيير سلم الأولويات لصالح السيطرة على كل أرض فلسطين التاريخية، سيكون في البداية على حساب النظام الديمقراطي للدولة، ولاحقا على حساب طابعها اليهودي، وهو يرسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل (إسرائيل) بعد الضم، تراوح بين دولة ثنائية القومية ودولة أبرتهايد، أو نشوء موجة عنف فلسطينية وعربية عامة يجري تحت دخانها طرد وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية وأراضي الـ48 إلى الأردن، بما يشبه ما حدث عام 1948 و1967.
والغريب أن خيار التهجير والتطهير العرقي الذي مارسته (إسرائيل) على نطاق واسع عام 1948 وبمستوى أقل خلال حرب 1967، يحضر أيضا مع الضم وسحب السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية أو أجزاء منها، كإستراتيجية محتملة للتوفيق بين أهداف الصهيونية الثلاثة الكامنة في بسط "دولتها الديمقراطية ذات الأغلبية اليهودية على كامل أرض فلسطين التاريخية".
وغني عن البيان أن (إسرائيل) تمارس منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، سياسة تهجير وتطهير عرقي غير مباشر لسكان المنطقة "ج" التي تعتبر الأغوار جزءا أساسيا منها وتشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وذلك استعدادا لضمها دون أن يثقل ذلك كاهل التوازن الديموغرافي القائم على الأغلبية اليهودية، كما أن إجراء ترانسفير لمنطقة المثلث التي تضم ربع مليون فلسطيني سيتم نقلهم إلى خارج حدود دولة (إسرائيل) المعدلة، وفق "صفقة القرن"، يندرج أيضا ضمن الحفاظ على الميزان الديموغرافي المذكور.
وبغض النظر إذا كان التهجير سيقتصر على "تطهير" منطقة معينة من الضفة الغربية، أو الداخل الفلسطيني عرقيًا، بنقلها أو نقل سكانها إلى أراض فلسطينية أخرى، أم أنه سيكون أكثر شمولا، بحيث يتم من الضفة الغربية والداخل الفلسطيني إلى الضفة الشرقية في الأردن، فإنه في الحالتين مؤشر على مخاطر تداعيات الضم على الفلسطينيين ليس كقضية وحقوق مشروعة فقط، بل كوجود مادي على الأرض أيضا.
وبدون شك فإن إدراج موضوع الضم في برنامج حكومة (إسرائيل) القادمة، ضمن جدول زمني قريب، يُفترض أن يستنفر الفلسطينيين وقياداتهم في مختلف مواقعهم، وفي الضفة والقطاع بشكل خاص، والعمل أولا على الإيفاء بالتعهدات التي وعدوا بها شعبهم ردا على "صفقة القرن"، وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والتي لحقت بغيرها من الوعود الكاذبة.
وثانيا، البدء ببناء إستراتيجية مواجهة، تبدأ بوقف التنسيق الأمني وإنهاء العمل باتفاق أوسلو، وتنتهي إلى حل السلطة التي ستبقى ما بقيت تقسيمات أوسلو التي قطعت أوصال الضفة الغربية، ليتم التهامها قطعة تلو الأخرى.
ولا يصلح في هذا السياق التنظير الذي يقول دعنا نرى نصف الكأس الإيجابي من أوسلو، في إشارة إلى السلطة باعتبارها إنجاز للشعب الفلسطيني، لأن السلطة هي إحدى آليات التقسيم الجيوسياسي للضفة الغربية، والعامل الأساسي للانقسام بين غزة والضفة، وهي تشكل عائقا أمام وحدة الأراضي المحتلة عام 67 وإن كان تحت الاحتلال.