تبدي قطاعات واسعة من الإسرائيليين قناعتها بأن فوز نتنياهو في الجولة الحالية بتشكيل حكومة الوحدة مع غانتس ليس نهاية المطاف، فالجولة القادمة آتية في الطريق، لأن نصفهم أرادوا رؤيته خارج المشهد السياسي، فهم يعيشون كارثة حقيقية تتمثل في سيطرته على المؤسسات الحكومية، وهي حقيقة مؤلمة ومزعجة ومحبطة، صحيح أن الاكتئاب واليأس ليسا خطة عمل، لذلك فإن المطلوب من وجهة نظرهم بذل الجهود لإخراجه من منزل رئيس الوزراء.
رغم تكرار الانتخابات، فإن نصف الإسرائيليين يعتقدون أنه يجب استبدال رئيس وزراء أفسد حياته، وفقد كوابحه، وأصبح ذا جنح جنائية يخدم نفسه فقط، وبطل العالم بالتسويق والدعاية والاستخدام الموجه للإعلام، وتمسكه بالسلطة.
نتنياهو يقف على ثلاث أرجل: أولاها تخويف الجمهور الإسرائيلي، وخلق انطباع بأنه الوحيد القادر على إنقاذهم، وتحذيراته بأنه إن لم يكن لحمايتهم، فستكون حياتهم سيئة جدًّا، وثانيتها زيادة الكراهية، واستغلال التنافس بين التجمعات السكانية، وثالثتها تدمير منهجي لما يسمى جهاز "المناعة القومي" عبر شل الكنيست، وتخويف رجال القانون، والاستيلاء العدواني على نظام العدالة برعاية كورونا.
كل ذلك يؤكد أن نتنياهو قام بانقلاب حكومي في إسرائيل تحت أنوف الإسرائيليين، صحيح أنه لم يخترع فيروس كورونا، لكنه استفاد منه، واستمر في استخدامه بكفاءة وذكاء لتشديد قبضته على مراكز السلطة، والهروب من المحاكمة عن الجرائم التي اتهم بها، ومن خلال تذرعه بأزمة كورونا، سيؤجل محاكمته مرة أخرى، بعد تأجيلها بالفعل إلى 24 مايو، هنا يتضح القول أن نتنياهو ليس فاسدًا فقط، بل مفسد.
اليوم، بفضل جرائم نتنياهو وفساده، لم تعد أمام إسرائيل ذريعة للتشدق بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بل أصبحت مثل غيرها من الدول المجاورة التي تحيط بها، فمن يحكمها اليوم ليس نموذجيًّا، بل زعيم يقدم مصالحه الشخصية، ويضع نفسه فوق القانون والحقيقة.
الجميع يعلمون جيدًا أن نتنياهو يكذب، ويخدع حتى أنصاره الأكثر ولاء، لكنهم فخورون بذلك، ونصف الإسرائيليين يؤمنون بهذا الهراء، ويثقون في بطل العالم في الخداع، الذي نجح بخداع السياسيين المتمرسين.
في الوقت الحالي، يبدو أن نتنياهو فاز بهذه الجولة، لكن الجولة المقبلة ستأتي، ربما قريبًا، عندما يتحلى قضاة المحكمة العليا بالشجاعة، ويصدرون أحكامهم بناء على الحقيقة والقانون والعدالة، وليس الخوف، أو عندما يقرر أحد شركاء نتنياهو الكشف عما يعرفه، حينها سيكون أكثر من اللازم.
نصف الإسرائيليين يشعرون بالاشمئزاز من "المتهم" نتنياهو، ولا يعتقدون بصدق أي كلمة تخرج من فمه، وسيكون نصفهم سعداء بظهوره يخرج في أول فرصة، ولن تتغير هذه الحقيقة، صحيح أن الطريق ما زالت طويلة، لكن هزيمة الكذب باتت قريبة، هكذا يتأملون.