رغم تلقي السلطة في رام الله مساعدات داخلية وخارجية، بأكثر من 120 مليون دولار حتى اللحظة، وصلت إليها باسم الشعب الفلسطيني، لكنها ذهبت للتعامل مع غزة خلال أزمة فيروس كورونا بالكيفية التي كانت عليها في الفترة التي سبقت الجائحة والتي فرضت خلالها إجراءات عقابية طالت كل مناحات الحياة بالقطاع المكتظ بالسكان.
أي أن الموقف السياسي الذي يحكم العلاقة بين السلطة وغزة انسحب على جائحة "كورونا"، رغم أن هذه الأزمة أنهت العداء بين دول وقامت بمساعدة بعضها بعضًا، لكن في الأراضي الفلسطينية استمر "التمييز" وما يصفه مراقبون بـ"بالتعامل العنصري" تجاه القطاع.
وبحسب إحصاءات رسمية، فإن السلطة تلقت منذ بداية الإعلان عن حالة الطوارئ عقب اكتشاف عدة إصابات بفيروس كورونا في الضفة الغربية، 71 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي، و10 ملايين من قطر، ومن الكويت 5 ملايين، ومن النمسا 250 ألف دولار، ومن بنك القدس 4 ملايين شيكل.
كذلك قدم البنك العربي ورجل الأعمال منيب المصري مليوني دولار، والبنك الإسلامي الفلسطيني 2 مليون شيكل، والاتصالات الفلسطينية 800 ألف دولار، والبنك الدولي 6 ملايين و800 ألف دولار، فضلًا عن مؤسسات دولية أخرى 18 مليون دولار.
5% من الاحتياج السنوي
مصدر مسؤول بقطاع غزة، كشف أن ما وصل القطاع منذ بداية العام من أدوية ومستهلكات طبية ولوازم المختبرات بلغ 2 مليون و250 ألف دولار فقط، يمثلون 5% من الاحتياج السنوي لوزارة الصحة البالغ 47 مليون دولار.
وأفاد المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لصحيفة "فلسطين"، أن ما وصل قطاع غزة فيما يتعلق بكتات الفحص منذ بداية أزمة "كورونا" 32 كت فحص، اثنان منها وصلا في بداية الأزمة، و30 كتا قبل فترة وجيزة.
ولفت إلى أنه يجري الحديث عن وصول 50 ألف فحص لرام الله من الصين (بمعدل 500 كت)، حصة غزة منها 1500 فحص فقط (قرابة 15 كتا)، وهذا يوضح حجم التمييز الكبير الذي تمارسه السلطة.
وبحسب المصدر، فإن منظمة الصحة العالمية سلمت وزارة الصحة برام الله آلاف القطع والمستلزمات والكمامات والأغطية الواقية قبل أيام، لكن الوزارة برام الله ومنذ الأزمة لم ترسل لغزة سوى الفتات، مع أن القطاع يحتاج إلى وجود 10 آلاف فحص شهريًّا حتى يستطيع الاستجابة للموجة الأولى من الفحوصات في حال اكتشاف حالات بالفيروس.
الجانب الآخر في التمييز، متعلق بصندوق "وقفة عز" الذي شكلته حكومة "محمد اشتية"، فمجلس إدارته مكون من 30 شخصية عامة واعتبارية يمثل غزة شخص واحد غير مقيم فيها، ومن ثم لا يوجد من يحمل هموم القطاع داخل أروقة المجلس، بعد أن جمع الصندوق نحو 16 مليون دولار ويبدو أن غزة خارج حساباته.
غياب الإنصاف
ويقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أحمد الملل، إنه لا يوجد إنصاف في إيراد حصة قطاع غزة المحاصر، مبينًا أن هناك إمكانات ومستلزمات طبية وصلت للضفة الغربية لم تعطِ غزة حقها منها.
وأكد المدلل لصحيفة "فلسطين"، أن غزة جزء أساسي من فلسطين كان من الواجب أن تقوم السلطة بدعم صمود أهلها في ظل جائحة كورونا، مضيفًا: أن على السلطة استحقاقات كبيرة لغزة ومسؤوليات ولا يمكن أن تتركها، لأن ذلك لا يحقق المساواة ولا يمد جسور المصالحة الفلسطينية.
ولفت إلى أن المشكلة الأكبر أن هناك عقوبات تفرضها السلطة على غزة قبل الأزمة من خلال التقاعد المالي وما زالت مستمرة، وهي اليوم تتحدث عن خصم أيام من رواتب الموظفين لدعم صندوق "وقفة عز"، دون أن تقدم لغزة شيئًا، مع أن غزة لها حق في ميزانية السلطة بنسبة 42% سنويًّا، في حين لا تصل النسبة حاليًّا 15%، ما يدلل أن هناك إجحافًا في التعامل مع القطاع.
تحييد الخدمات الصحية
مدير الإغاثة الطبية في قطاع غزة د. عائد ياغي قال من جانبه: "معروف أن القطاع الصحي في غزة يعاني آثار الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي، وهذا أدى لنقص حاد في الفحوصات والمستلزمات الطبية".
وأضاف ياغي لصحيفة "فلسطين"، أن إمكانات القطاع الصحي في غزة غير مواتية لاستقبال العديد من الحالات المحتمل إصابتها بفيروس "كورونا"، مشددًا على ضرورة تحييد الخدمات الصحية من التجاذبات السياسية والعمل على تزويد القطاع بالاحتياجات والمستلزمات المطلوبة.
وحول تقييمه لتعاطي السلطة الفلسطينية مع القطاع في مواجهة أزمة كورونا، تابع: "نتطلع إلى مساعدات وإمدادات أكثر، والمطلوب بشكل واضح أن يعي الجميع أن الخدمات الصحية يجب تجنيبها أي خلاف أو محاولة استغلالها لخدمة أجندة سياسية".

