لم تختلف أجواء شهر رمضان هذه السنة، عن سابقتها في منزل المسنة لطيفة أبو حميد، التي اعتادت الجلوس على سفرة إفطار وحيدة بعيدة عن أبنائها، إلا أنها تقضيه هذه المرة مع ابنها جهاد.
أجواء الفرح بالشهر المبارك سلبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من "أم ناصر" إذ اغتالت ابنها عبد المنعم في أيار (مايو) 1994م، وتوالت على أسر أبنائها الخمسة: ناصر، ونصر، وشريف، ومحمد، وإسلام، وهدمت منزلها خمس مرات.
وتجلس أبو حميد (72 عامًا) على سفرة الإفطار برفقة نجلها جهاد (31 عامًا)، الذي أطلق سراحه قبل نحو أربعة أشهر بعد قضاء سنتين في الاعتقال الإداري دون أي تهمة أو ذنب، مستذكرة لمة وضحكات أبنائها وحديثهم خلال مساعدتها في تجهيز مأدبة الطعام.
"انحسرت في منزلي مظاهر الاحتفال بشهر رمضان منذ استشهاد نجلي وأسر أبنائي في سجون الاحتلال، واختفت بهجته وحل مكانها القلق الذي يساورني كل يوم خوفًا على مصيرهم" تقول أبو حميد لصحيفة "فلسطين".
ما إن تجهز سفرة الإفطار وتجلس بانتظار أذان المغرب تبدأ الذكريات تعيدها إلى الوراء، أي قبل أسر أبنائها: "فمنهم من كان يساعدني في إعداد الطعام، وآخر كان يجلب العصائر، وثالث يجهز السفرة، ورابع يحضر الحلويات، وخامس يتجهز للصلاة"، وتتوقف لبرهة لتتابع: "بقيت أنا وجهاد وحيدين على مائدة الإفطار".
ومنذ 20 عامًا لم تجتمع أسرتها ولو مرة واحدة على مائدة الإفطار أو في أي مناسبة عائلية، بسبب الاحتلال وأسره أبناءها لدفاعهم عن أرضهم ووطنهم الذي عاشوا فيه وأكلوا من خيراته.
وتشير إلى أنها تحاول مواساة نفسها ونجلها "جهاد" كي يتناولا الطعام بعد صيام يوم شاق، ويتبادلا الحديث ويدعوا الله أن يمن بالإفراج القريب والعاجل عن أبنائها، لتعيش ما تبقى من حياتها برفقتهم على مائدة الإفطار.
وتزداد وتيرة قلق أبو حميد على أبنائها الأسرى مع سياسة الاحتلال القائمة على حرمانهم التزود باحتياجاتهم لا سيما خلال رمضان، وتعمد تأخير وجبتي الإفطار والسحور، في محاولة لكسر عزيمتهم وإرضاخهم لشروطه.
وتتابع: "لكن أسرانا رغم عنجهية السجان صامدون ثابتون على مواقفهم ومبادئهم التي دافعوا عنها؛ فالوطن يحتاج منا إلى الكثير، ولا وقت للعويل، فنحن مع أسرانا ولن نتخلى عنهم، مهما طال الزمن أو قصر".
وتحلم أم ناصر، كحال الأمهات الفلسطينية، أن تعيش بأمن وسلام واستقرار بعيدًا عن ملاحقة الاحتلال وجرائمه التي لا تتوقف بحق الفلسطينيين، قائلة: "كفانا لجوءًا وتنقلًا من مكان إلى آخر؛ فقد عشنا مرارة اللجوء سنة 1948م عندما هجرتنا العصابات الصهيونية من أرضنا".
والمسنة لطيفة لاجئة من قرية أم شوشة، قرب الرملة وسط الأراضي المحتلة سنة 1948م، تسكن في منزل ببلدة بيتونيا بمدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، بعد أن هدم الاحتلال منزل العائلة في مخيم الأمعري نهاية العام الماضي 2014م.
و"أبو حميد" هي والدة الشهيد عبد المنعم، والأسير ناصر (محكوم عليه بالسجن 7 مؤبدات و50 عامًا)، ونصر (محكوم عليه بالسجن 5 مؤبدات)، وشريف (محكوم عليه بالسجن 4 مؤبدات)، ومحمد (محكوم عليه بالسجن 3 مؤبدات و30 عامًا)، وإسلام (محكوم عليه بالسجن المؤبد، ودفع غرامة مالية بقيمة 258 ألف شيقل).