بينما يواجه الفلسطينيون أسوة بباقي دول العالم وباء كورونا، فإنهم يعيشون معاناة مضاعفة تتمثل في الإجراءات العقابية التي تنتهجها إسرائيل في حقهم، سواء بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وما يتبعه من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أو احتجاز أموال المقاصة وطردها للعمال الفلسطينيين من الضفة الغربية التي يعملون فيها، خشية انتقال عدوى المرض.
وخلال أيام قليلة، فقد مئات الآلاف من الفلسطينيين أعمالهم في إسرائيل والمستوطنات اليهودية والضفة الغربية والمناطق الصناعية داخل الخط الأخضر، ما يعني زيادة معدلات البطالة، كما هو الحال لدى الأيدي العاملة الإسرائيلية ممن خرجوا بإجازات إجبارية أو تلقوا قرارات فصل. ولا يتوقع نهائيًّا أن تعوض "إسرائيل" مثلًا هؤلاء العمال عبر مشاريع التحفيز الاقتصادي. فالعمال الفلسطينيون الذي يعملون في "إسرائيل" محرومون من الكثير من حقوقهم العمالية.
وتؤكد المحافل الإسرائيلية أن إمكانية صمود الاقتصاد الفلسطيني وسط هذه الأزمة غير قائمة، ومع غياب مدخولات أساسية وأفق اقتصادي، فإن انهياره أقرب من أي وقت مضى، وقد يحصل خلال أيام قليلة، كما أن إمكانية انتشار معالم الفوضى الاقتصادية لن تقتصر على الضفة الغربية، بل قد تشمل قطاع غزة المزدحم بالسكان.
لكن القلق الذي يساور المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين، وكذلك الإسرائيليين، يتعلق بصورة أساسية بأن الانهيار الصحي والاقتصادي قد يتزامن مع اندلاع أحداث أمنية وسيناريوهات مخيفة، ما جعل إسرائيل تسارع في تحويل 150 مليون شيكل إلى السلطة الفلسطينية من خلال أموال المقاصة.
"إسرائيل" لها مساهمتها الخاصة في التضييق الاقتصادي على الفلسطينيين في ظل الوباء، فقد رافق ظهوره فرضها إجراءات إغلاق الحدود مع الضفة وغزة، وعليه فإن عددًا لا بأس به من الفلسطينيين لن يتمكنوا من العودة إلى إسرائيل قبل انتهاء أزمة كورونا، وحتى من سيجدون فرص عمل جديدة في إسرائيل فسيكتفون بأجور مخفضة ليست كما كان قبل ظهور الأزمة، مع أنهم قد يعودون إلى أماكن أعمالهم في إسرائيل، إن عادوا، مع صفر مدخلات مالية.
مع العلم أن إسرائيل تميز سلبيًا بين العمال الفلسطينيين والإسرائيليين، فهي تعوض عمالها في ظل الأزمة الحالية من خلال أموال يدفعها صندوق التأمين القومي، أما العمال الفلسطينيون فلا يحصلون على شيء، ولذلك فبعد أن أغلقت إسرائيل أبوابها أمامهم، فسيضطرون للبحث عن سبل أخرى، لن تكون السلطة الفلسطينية من بينها، لأنها مرهقة ومستنزفة ماليًّا.
وهكذا، ومع وصول أزمة كورونا، والتعليمات المصاحبة له، بدأت إسرائيل في الحد من حركة الفلسطينيين بين المدن الفلسطينية، فضلًا عن دخول إسرائيل ذاتها، وصولًا إلى فرض إغلاق كامل على المناطق الفلسطينية، وإشغال الحد الأدنى من الأعمال الاقتصادية، رغم إدراكها أن الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بصورة وثيقة بالمنظومة المالية والاقتصادية الإسرائيلية.