منذ ظهور أزمة فيروس كورونا أواخر فبراير، بدأت نتائجه تظهر تباعا، وعلى مختلف الأصعدة، حتى وصلت الواقع الاقتصادي المعيشي للفلسطينيين، وكشفت عن تبعيته الكاملة لـ(إسرائيل)، خاصة بما يتعلق بالعمال، ومصادر دخل عشرات الآلاف من عائلات غزة والضفة الغربية، ما أظهر فشل السلطة الفلسطينية بعدم توفير بدائل اقتصادية محلية.
كشفت الأزمة عن هشاشة وجود السلطة تحت الوصاية الإسرائيلية، فإصدار تصاريح العمال يتم عبر الجيش، ولا يمكنها منع فلسطيني واحد من العمل بـ(إسرائيل)، ما يؤكد ضعف سيطرتها على الاقتصاد الوطني، ويطرح أسئلة مقلقة حول إمكانية أن تقرر (إسرائيل) إبقاء حدودها مغلقة مع الضفة خشية انتقال عدوى الفيروس.
الفلسطينيون قبل كورونا وبعده واقعون تحت سيطرة (إسرائيل)، ويعيشون حالة تبعية كاملة لاقتصادها، رغم محاولات الانفكاك عنها، ما يترك تبعاته السيئة والسلبية على التوجهات الاقتصادية الفلسطينية، فضلا عن نتائجه السياسية، لأنها تجعل القرار مرهونا لـ(إسرائيل)، وغير مستقل سياسيا.
المؤشر الأهم للتبعية الاقتصادية الفلسطينية لـ(إسرائيل) هو العمال، ويزيد عددهم على 150 ألفا يعملون بتصاريح رسمية، و60 ألفا يعملون بطريقة غير قانونية، الواحد يحصل على دخل يومي متوسطه 250 شيكلا، قرابة 70 دولارا، ما يعني إدخال مئات ملايين الدولارات شهريا للأسواق الفلسطينية، وتسبب وقفهم عن العمل في إسرائيل عقب ظهور كورونا بحرمان عشرات الآلاف من عائلاتهم من السيولة النقدية.
يعتمد الاقتصاد الفلسطيني أساسا على المدخلات الإسرائيلية، لأن 35% من الدخل القومي الفلسطيني يأتي من العمال في إسرائيل، ما يعني أن الفلسطينيين قد لا يستطيعون الصمود في ظل استمرار إغلاق المعابر الإسرائيلية، لأنه أظهر مشكلة جديدة لديهم تتمثل بعدم وجود قدرة شرائية، بسبب نقص السيولة النقدية، ما يحتم تخفيف التبعية الاقتصادية لـ(إسرائيل)، وهو أمر لا يبدو أن السلطة الفلسطينية قادرة عليه، على الأقل حالياً.
يشكو الفلسطينيون في الضفة الغربية أنهم بعد إعادة عشرات آلاف العمال من (إسرائيل) بدؤوا يواجهون مشكلة جدية تتمثل بتراجع قوتهم الشرائية، لعدم توفر السيولة النقدية، وقد تزيد المشكلة إذا استمرت (إسرائيل) بسياستها الصحية المتبعة بفرض الإجراءات الصارمة على عدم دخول العمال الفلسطينيين إليها، بجانب منع السلطة الفلسطينية في منع تنقل مواطنيها بين المدن، وإغلاق المؤسسات الاقتصادية، وتوقف المشاريع التجارية، ما سيزيد أعباءها باتساع رقعة الفقراء، تزامنا مع تراجع إيراداتها من السوق.
إن شواهد التبعية التجارية الفلسطينية لـ(إسرائيل) كثيرة، فالإجراءات الصحية بالمطارات والمعابر والموانئ الإسرائيلية أضرت بالفلسطينيين، لأنها أعاقت وصول بضائعهم المستوردة من الخارج عبرها، كما تأثر الفلسطينيون سلبا بتراجع القيمة الشرائية للشيكل في الأسابيع الأخيرة بعد كورونا، فمعظمهم مدخولاتهم بالشيكل، لكن التزاماتهم من الديون والقروض بالدولار، ما انتقص من قدرتهم على السداد.