يتعرض مواطنو قطاع غزة لأزمات اقتصادية متتابعة، تشتد وطأتها في هذه الأوقات التي يواجهون فيها وباء "كورونا "الفتاك وتأثيراته السلبية على جميع مناحي الحياة، وبات السكان المحاصرون منذ (13) عامًا داخل أمواج متلاطمة من الفقر والبطالة، وسط تجاهل السلطة الفلسطينية لمعاناتهم، وأضحوا أمام مؤسسات أممية ومانحين أداروا ظهورهم تعمدًا أو مرغمين.
وإزاء ذلك حمل اختصاصيون اقتصاديون كلًّا من السلطة في رام الله، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" والدول المانحة، المسؤولية الكاملة عمَّا يتعرض له سكان غزة، مؤكدين ضرورة الإنصاف في التعامل بين الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة في الإنفاق الحكومي، والمساعدات المالية والعينية العاجلة المقدمة لأرباب الأسر المتعطلين عن العمل، والقطاع الخاص، في الخدمات الطبية والاجتماعية.
ويؤكد الاختصاصي الاقتصادي د. أسامة نوفل، أن تدخلات السلطة في رام الله تجاه قطاع غزة محدودة جدًّا سواء في هذه الأوقات العصيبة أو سابقًا، مبينًا أن إيرادات السلطة من غزة تفوق حجم نفقاتها عليه، كما أن المساعدات التي تحصل عليها السلطة من المانحين لصالح القطاع المحاصر لا تذهب إليه.
وبين نوفل لصحيفة "فلسطين" أن السلطة كانت تحصل قبل عام 2017 من إيرادات قطاع غزة لخزينتها نحو 90 مليون دولار، في حين أن حجم نفقاتها أقل من 70 مليون دولار، أي أن إيرادات قطاع غزة تغطي نفقاته وتحقق فائضًا لخزينة السلطة، ومع ذلك فإن السلطة تتنصل من التزاماتها تجاه السكان، وتحرم الموظفين من حقوقهم المالية الكاملة، وتفرض سياسة مخالفة للقانون في التقاعد المبكر وقطع الرواتب.
ازدواجية مع المتضررين
وتطرق نوفل إلى الازدواجية في تعامل السلطة ببرامجها المخصصة للمتضررين من جائحة كورونا، مبينًا أن المتضررين في الضفة يتلقون مساعدات مالية وعينية، في حين أن متضرري غزة وكأنهم في كوكب آخر.
وحث السلطة على إعفاء التجار والمستوردين من الضرائب بعد تراجع النشاط التجاري بسبب جائحة "كورونا".
وتمارس السلطة منذ إبريل 2017 عقوبات اقتصادية بحق سكان قطاع غزة، على إثرها انخفضت السيولة النقدية، وزادت الشيكات المرتجعة، وتراجع النشاط الاقتصادي إلى مستويات حادة.
من جهته حمل الاختصاصي الاقتصادي سمير الدقران وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" جزءًا كبيرًا من الوضع المتأزم الذي يطبق على حياة سكان غزة، داعيًا الوكالة الأممية إلى توسيع دائرة خدماتها كما كانت سابقًا.
وبين الدقران لصحيفة "فلسطين" أن خدمات الوكالة تجاه اللاجئين في غزة تقلصت تدريجيًّا، حيث إنها اليوم تقتصر على الأسر اللاجئة الأشد حاجة فقط، كما قللت "أونروا" من حجم المساعدات وزادت من طول فترة التوزيع، مشيرًا إلى أن المساعدة كانت تصل اللاجئ مرتين في الشهر، وتحتوي على مواد غذائية، وأغطية، وملابس، وأحذية، ومحروقات وملابس.
ولفت إلى أن الوكالة أغلقت مطاعم كانت تزودها بالطعام المجاني لطلبة المدارس.
وحث الاختصاصي أدارة "أونروا" على توفير وظائف دائمة للحد من معدلات البطالة، وإقامة منشآت إنتاجية وصناعية تمكن اللاجئين من العيش الكريم، وأن توجه فرص التشغيل المؤقتة في مهن وتخصصات تناسب آدمية اللاجئ، وتصقل مهارته.
كما جدد تأكيده ضرورة أن توسع الوكالة الأممية خدماتها الطبية في قطاع غزة للتصدي لجائحة كورونا، وأن تزيد الخدمات التعليمية.
تنصل المانحين
ويضم قطاع غزة قرابة مليون و400 ألف لاجئ يعيشون الفقر والحصار وانعدام فرص العمل للشباب وغيرهم من أرباب البيوت.
ونُظمت قبالة مقرات الأونروا بالقطاع عدة وقفات احتجاجية على تقليص خدماتها، والفصل التعسفي لموظفيها، وتبرر الوكالة التقليص بالعجز المالي غير المسبوق في تاريخها، خاصة بعد أن أوقفت الولايات المتحدة منذ مطلع 2019 كل مساعداتها للوكالة.
من جهته أكد الاختصاصي الاقتصادي د. معين رجب، ضرورة أن تلتزم الدول المانحة بتعهداتها تجاه الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال المهيمن على كل مواردهم.
ولفت رجب في حديثه لصحفة "فلسطين" إلى تنصل دول مانحة من وعدها تجاه إعادة إعمار قطاع غزة، وتعويض المتضررين عن سنوات الحروب السابقة، وهو من الأسباب التي زادت من حدة السوء المعيشي والاقتصادي في غزة.
ويتوقع تراجع المنح الدولية للفلسطينيين، بسبب جائحة "كورونا" وانخفاض أسعار النفط الدولية وتأثير الانخفاض السلبي في إيرادات الدول المنتجة خاصة دول الخليج.
ومع ذلك حث رجب السلطة على أن تقوم بدورها الرسمي وأن تستغل علاقتها مع الدول المناصرة للفلسطينيين والدول العربية من أجل توجيه الدعم لقطاع غزة.