كعادتها تحارب المدينة المقدسة وحدها، تجابه هذه المرة وباء "كورونا"، وهي التي لم تتوقف عن مجابهة وباء الاحتلال المستمر في عمليات سرقة الأرض ومصادرة العقارات، وهدم المنازل وتسريع وتيرة الاستيطان، وانتهاك المقدسات وتغيير معالم القدس، والحصار الاقتصادي والاجتماعي، وتهجير أصحاب الأرض الأصليين.
لم يحظَ أهل القدس باهتمام صحي حقيقي لمنع تفشي جائحة "كورونا"، بل واصل الاحتلال سياسة الإهمال للمقدسيين، والتمييز العنصري في الخدمات والنشاطات التوعوية والنشرات الإرشادية التي كانت فقط موجهة لليهود وباللغة العبرية فقط، ويزداد الإهمال للسكان القاطنين خلف جدار الفصل العنصري رغم أنهم يتبعون إداريًّا لمدينة القدس، ويقوم بوسائل مختلفة بنشر المرض بين المقدسيين، وإلا ماذا يعني اعتقال المتطوعين الذين يقومون بحملات توعية المواطنين وتعقيم الأحياء؟
الاحتلال لم يكتفِ بالتمييز العنصري في تقديم الخدمات الصحية، وعدم تعقيم الأحياء الفلسطينية وعدم فتح مراكز فحص للمرض، إنما عمل على ملاحقة وحصار المؤسسات الصحية المقدسية، ومنع المبادرات المحلية وقمع اللجان الشعبية التي شكلها المقدسيون لحماية أنفسهم أمام "كورونا"، واقتحم وأغلق عيادات صحية وهو ما حدث في بلدة سلوان التي يبلغ عدد سكانها قرابة 65 ألف نسمة، ورغم ظهور عشرات الإصابات فيها لم يقُم الاحتلال بأي خطوة صحية حقيقية للوقاية والعلاج!
ويرى كثيرون أن اليهود المتدينين المصابين بالفيروس الذي يهاجمون سلوان يوميًّا نقلوا العدوى إلى أهلها، وضيق الاحتلال على عمل طواقم الأونروا في مخيمات القدس لا سيما مخيم شعفاط لمواجهة "كورونا"، في حين يتهدد مشفى المقاصد الخيرية إحدى أهم قلاع القدس شبح الإغلاق نتيجة الضائقة المالية التي يمر بها.
وتتعمد وزارة الصحة الإسرائيلية إخفاء المعلومات حول عدد مصابي "كورونا" في شرق القدس المحتلة لإثارة الخوف بين المقدسيين في تفشي الوباء، ولإخفاء إهمالها في علاجهم، كما لا تسمح لمنظمة الصحة العالمية أو للجهات الصحية الفلسطينية بالعمل هناك، وهو ما يمكن تفسيره سياسيًّا بتعمد الاحتلال السماح للفيروس بالفتك بعشرات المقدسيين لتحقيق هدف لطالما حلم بتحقيقه وهو إفراغ الأرض منهم، وهو استغلال خبيث للجائحة، والاحتلال –بصفته قوة احتلال– ووفقًا للقوانين الدولية، مطالب بتوفير الاحتياجات الطبية لأهل القدس سواء أجهزة الفحص المخبري للمرض أو تقديم العلاج للمصابين أو الحجر الصحي للمشتبه بهم.
جائحة "كورونا" لم توقف انتشار وباء الاحتلال، بل استغل انشغال الرأي العام العالمي بها في تعزيز قبضته على القدس، وتقييد حركة أهلها، والسيطرة على ما يسميها أملاك الغائبين كما حدث في وادي الربابة، وتصعيد عمليات الاعتقال، وترسيخ تقسم المسجد الأقصى مكانيًّا كما حقق نجاحات في تقسيمه زمانيًّا، وينفذ مشاريع استيطانية في جبل المكبر، ويعمل للربط بين مستوطناته في القدس عبر خطة سكة حديد للقطار الخفيف، ويحاول فرض حقائق على الأرض وجميعها تصب في سياق تطبيق صفقة القرن.
القدس أمام كارثة إنسانية وسياسية تهدد وجودها وأهلها، بعد وفاة سيدة وتسارع في عدد الإصابات، وكثير ممن يشك بإصابته يخشى التوجه للمستشفيات الإسرائيلية باعتبارهم في وضع قانوني -وفق المفهوم الإسرائيلي- غير مثبت، وهو ما يمكن أن يستغله الاحتلال لإبعادهم عن القدس أو المس بوضعهم ، فماذا نحن فاعلون لإنقاذ القدس من الوباءين؟!