فلسطين أون لاين

​التقت بصديقه الذي كان برفقته لحظة الاعتداء عليه

صحيفة "فلسطين" تكشف تفاصيل حادث فقدان المجدوب في مقدونيا

...
والد المفقود المجدوب (يميناً) خلال حديثه مع مراسل "فلسطين"
غزة - يحيى اليعقوبي

في أرض زراعية صغيرة خلف منزله في حي التفاح شرق مدينة غزة؛ وبعد بحث في تفاصيل قضية ما تزال بعض أحداثها مجهولة، التقت صحيفة "فلسطين" بالشاهد الوحيد في قضية فقدان الشاب الأسير المحرر إبراهيم المجدوب، في مقدونيا.

خميس الدعالسة (42 عامًا)، صديق الأسير المحرر إبراهيم المجدوب المفقود، والذي كان برفقته لحظة تعرضهما لهجوم من قبل عصابة مقدونية، قبل ترحيله إلى اليونان، والعودة إلى غزة.

وكانت وسائل إعلام مختلفة قد تناقلت خبرًا حول مقتل الشاب المجدوب من سكان قطاع غزة، على يد عصابات المافيا المقدونية على الحدود التركية.

يذكر أن الدعالسة والمجدوب أسيران محرران اعتقلهما الاحتلال بشكل منفصل عامي 2005 و2006، بتهمة تنفيذ أعمال مقاومة ضد أهداف إسرائيلية، وأفرج عنهما في عام 2011.

بدأت صداقة الدعالسة والمجدوب في السجن، واستمرت حتى تحررا، وسافرا بطريقة رسمية من مصر وتركيا حتى اليونان، وهناك حاولا المرور عبر حدود مقدونيا وصربيا لكي يسافرا إلى بلجيكا محطتهما الأخيرة، وفق الأول.

وخرج الدعالسة بهدف الإقامة في بلجيكا والعمل هناك، أما المجدوب فخرج لإكمال دراسته في العلوم السياسية والاقتصاد إلى جانب العمل.

تفاصيل الحادثة

ويقول الدعالسة في حديث مع صحيفة "فلسطين": "بعد أن وصلنا اليونان ركبنا في سيارة مع مهرب سوري يدعى "أبو علي"، برفقة 8 أفراد آخرين لا نعرفهم، متجهين من على الحدود اليونانية وصربيا إلى مقدونيا حتى نتمكن من هناك من السفر إلى بلجيكا".

"كان علينا قطع مسافة 180 كيلو متر من تلك الحدود حتى نتمكن من الوصول إلى المكان المراد داخل مقدونيا، وحينما تجاوزا 40 كيلو متر، لاحقتنا شرطة مقدونيا، وانقلبت السيارة أثناء عملية المطاردة، فهربنا أنا وإبراهيم وآخرون من المكان، بينما ألقت الشرطة القبض على آخرين".

ويضيف الدعالسة الذي توجد على جبينه آثار غرز ليست قديمة: "ذهبنا بطريقنا، حتى وصلنا إلى أرض واسعة بها سكة قطار وجسر، حاولنا المرور عبر هذه الأرض والسير من أسفل الجسر نحو الطريق المعبد بالإسفلت".

وهنا حدث ما لم يتوقعه الاثنان، فقد فوجئوا بخروج ستة أفراد مقدونيين (بدو من اللحظة الأولى كعصابة) يحملون ما يشبه ماسورة كرتونية مضغوطة بداخلها سيخ حديد، وحدثت مشاجرة بينهم بعد أن تقدموا باتجاه الأسيرين المحررين، وفق سرده.

ويستعيد ذلك المشهد الذي حدث في منتصف شهر فبراير/ شباط الماضي، بالقول "استمر القتال بالأيدي معهم وتبادل اللكمات نحو نصف ساعة، كنت بجوار ابراهيم وندافع عن أنفسنا، وفجأة ضربني أحدهم بحجر على جبيني فقدت على إثرها الوعي لعشر دقائق".

يواصل: "بعد أن استيقظت وجدت صديقي إبراهيم أيضًا فاقدًا الوعي، ولا توجد عليه آثار دماء، لكن وجدت آثار ضربة تعرض لها بين عينيه وأنفه (..) ناديت عليه باسمه فلم يرد عليّ، لكن نبضه كان سليمًا".

تفقد الدعالسة نفسه، فوجد أن العصابة سرقت منه 500 يورو أوروبي، ومن إبراهيم 1200 يورو، وتوجه بخطوات متثاقلة إلى الأسفلت وامضى نصف ساعة وهو يؤشر بيديه للسيارات المارة بسرعة على هذا الطريق، وكلما توقفت احداها كان من بداخلها لا يفهمون ما يقوله ويمضون في طريقهم.

"توقفت إحدى السيارات وقلت للسائق (بوليس.. دكتور) تمكن من فهمي واتصل بالشرطة، التي جاءت إلى المكان، ونقلتنا بالإسعافات بعد ذلك إلى مستشفى بسكوبيه (عاصمة مقدونيا)، وهناك لم يجروا لنا إسعافات أولية في البداية وأخذوا إبراهيم إلى غرفة العناية المركزة"، بحسب قوله.

وفي اليوم التالي أحضرت إدارة المستشفى، مترجمًا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتطلب من خلاله مبلغ 150 يورو كتكاليف للمبيت في المستشفى.

ويضيف الدعالسة: "طلبت من المترجم رقم هاتفه فرفض مبررًا أن ذلك ممنوع، ثم طلبت منه أن أبقى مع إبراهيم، لكن إدارة المستشفى رفضت ذلك، وقالوا إن صحته جيدة".

وفي عصر ذات اليوم، الذي وافق 16 فبراير/ شباط، حضرت الشرطة المقدونية إلى المستشفى وقامت بترحيل الدعالسة إلى اليونان، وبقي هناك 10 أيام أجرى خلالها اتصالات مع المهرب السوري للاطمئنان على أحوال إبراهيم المجدوب، ثم غادر إلى تركيا وبقي 5 أيام أخرى، ولكن للأسف لم يعرف مصير صديقه، وبعد إلحاحٍ من الأهل والأصدقاء عاد إلى غزة في 15 مارس/ أذار الجاري.

مصير مجهول

الحاج جمال المجدوب، والد ابراهيم يؤكد لصحيفة "فلسطين"، أنهم فقدوا الاتصال بنجله منذ 15 فبراير/ شباط الماضي، مطالبا الجهات الرسمية والدبلوماسية الفلسطينية بمعرفة مصير نجله إن كان حيا أو ميتا.

ويشير إلى تواصلهم مع شخص من الجالية الفلسطينية في اليونان، يدعى "أبو القاسم"، أكد لهم بعد اتصالات أجراها أن نجلهم على قيد الحياة وموجود في إحدى مستشفيات سكوبيه عاصمة مقدونيا، وأن ثلاجات الموتى بتلك المستشفيات تخلو من اسم نجلهم.

لكنه يلفت النظر في ذات الوقت، إلى وصول أنباء من السفارة الفلسطينية ببلغاريا على لسان السفير الفلسطيني أحمد المذبوح، بأن نجلهم متوفى.

ويضيف: "ابراهيم إنسان مثقف وأسير محرر سافر لأجل مستقبله ومستقبل أخواته الثمانية اللاتي يكبرهن سنًا"، مواصلاً: "قال لي ابراهيم حينما أراد السفر عن اخوته أن هؤلاء خطيتهم برقبتي، فأخذ قرضًا من البنك للسفر من أجل الدراسة والعمل"، متسائلا: "أين وزير الأسرى والجهات الرسمية من مصير ابراهيم أم أننا شعب ضائع؟!".