استكمالا لسطور الأمس، فإن أوساطا إسرائيلية ليست متفائلة من إبرام صفقة تبادل وشيكة مع حماس، ترى أن قبول نتنياهو بعرض السنوار لبدء المفاوضات، لا يتعدى كونه مناورة سياسية، لأنه لن يقبل الظهور كزعيم رضخ لشروط حماس في صفقتين اثنتين للتبادل، لذلك يحاول استغلال الملف بتوجيه رسائل لخصومه السياسيين بضرورة الاصطفاف خلفه لتشكيل حكومة موسعة يمكنها اتخاذ قرار بعقد الصفقة، إن ثبت أن الأسرى لدى حماس أحياء.
سيبقى القبول الإسرائيلي بشأن الإفراج عن قيادات عسكرية فلسطينية مرهونا بمعرفة مصير الجنديين غولدن وأرون، لأنهما يمثلان خصوصية للمؤسسة الإسرائيلية، وتم أسرهما في أثناء تنفيذ الجيش لعدوانه على غزة، وإن ثبت أنهم أحياء فسيكون الجيش في حرج، إما القبول بشروط حماس، وإما ظهوره متخليًا عنهم.
مع العلم أن التحرك الجديد بين حماس و(إسرائيل) يمكن اعتباره مقدمة لإبرام صفقة تبادل، لكن ربما لا تكون كصفقة 2011 كاملة، بل صفقة مجزأة، لأن الحركة تكلمت بمسألة الإفراج عن فئة ذات بعد إنساني، وهم الأسرى المرضى وكبار السن والأطفال، خشية إصابتهم بفيروس كورونا.
أما الثمن المتوقع للدعوة الإسرائيلية، فمن المرجح أن يقتصر الموضوع على تقسيم الأسرى الإسرائيليين لمجموعات وأولويات، فسيكون الأسيران العربي والإثيوبي، مقابل الأسرى المرضى وكبار السن والأطفال، وتفكيك حصار غزة وإدخال معدات طبية، ومواد تعقيم للأسرى في السجون الإسرائيلية.
وإن تم إنجاز الجزء الأول من الصفقة المتعلق بالجانب الإنساني والمعيشي، فقد يكون الأمر تمهيدًا لصفقة كبيرة، وهذا الأمر بحاجة لوقت طويل لتباعد المواقف بين حماس و(إسرائيل)، وعدم وجود حكومة إسرائيلية مستقرة في ظل الأزمة السياسية المستفحلة، وعدم تفرغ المستوى السياسي الإسرائيلي في ظل انشغاله بكورونا.
تدرك حماس أنه إن بقي الأسيران العربي والإثيوبي عقدًا من الزمن لديها، فلن تطالب بهما إسرائيل، وستُنسى قضيتهم، لذلك ربما اقتنعت أن هذه الورقة ليس لها ثمن كبير، ويجب استخدامها مقابل مطالب إنسانية، والاحتفاظ بالورقة الكبيرة، وهم الأسرى من أصول غربية، إن تحسست خطرًا على غزة بسبب كورونا، مما شكل أداة ضغط على قيادتها بضرورة توظيف ورقة الأسرى الإسرائيليين بين أيديها، وقد تبدي (إسرائيل) نوعًا من التجاوب، دون ضمانات.
لا يبدو أن (إسرائيل) ستبدي تعنتًا كبيرًا إزاء مطالب حماس ذات البعد الإنساني، فالأخيرة لا تمس الخطوط الحمراء لديها في مطالبها، وقد يمر الأمر بهدوء في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية دون إحداث ضجة كبيرة، ما يشكل اختراقًا للجدار الحديدي بموضوع الحديث عن الصفقة التي كانت تراوح مكانها، تمهيدا لمفاوضات أكثر صعوبة في قادم الأيام!