سواء أشئنا أم أبينا، استطاع الاحتلال أن يصل إلى أحد القادة الكبار للمقاومة الفلسطينية، وحقق بذلك نقطة لمصلحته وانتصر في جولة، لكنه لن ينتصر في الجولة القادمة؛ فالحياة وطبيعة الصراعات والحروب هي هكذا، جولة لك وجولة عليك، يوم لك ويوم عليك، حتى ينتصر الحق في النهاية، وعدًا ربانيًّا، "وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين".
قد يكون من نفذ عملية اغتيال الشهيد مازن فقها قد دخل عبر البحر، أو السياج المحيط بغزة، أو عملاء الاحتلال، وقد يكون من نفذها انسحب إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948م؛ فكل الاحتمالات واردة، وهذا ما ستجيب عنه التحقيقات لاحقًا لكشف ملابسات عملية الاغتيال.
لا يصح التقليل من قدرات كيان الاحتلال الأمنية وغيرها من القوى التي بحوزته؛ فسماء غزة مراقبة على مدار الساعة، والاتصالات مراقبة، وشبكات التواصل الاجتماعي كذلك، ومخابرات الاحتلال لها باع طويل في عمليات الاغتيال بكاتم الصوت وغيره، واستطاع أن يصل إلى قادة كبار على مدار تاريخ القضية الفلسطينية، لكن هذا لا يعني أنه لم يدفع ثمنًا، أو جميع عملياته نجحت، فالنصر والنجاح لهما ثمن أيضًا، ففشل بعضها، ودفع الاحتلال ثمنًا باهظًا لذلك الفشل الذريع، كما حصل من فشل لعملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في الأردن.
يشعر الآن "نتنياهو" و"ليبرمان" و"بينت" بنشوة النصر الكاذبة والخادعة، لنجاح عملية الاغتيال، ويشربون الخمور احتفالًا، لكن كما هو متوقع سيصابون بالصدمة لاحقًا مع الرد على العملية، الذي هو منوط بقيادات المقاومة وحكمتها ورباطة جأشها، فلكل فعل رد فعل، والأيام دول تتداول وتتغير.
لا يصح التعامل مع أي حدث _سواء أكان صغيرًا أم كان كبيرًا_ بردات الفعل والعاطفة والانفعالات، فالاحتلال نجح باختراق غزة وقتل الشهيد بتخطيط محكم ودقيق، وليس بارتجال وانفعال، فالجيش نفذ مناورة قبل عملية الاغتيال، وهذا يرينا مدى قوة تخطيط الاحتلال على ظلمه وغيه، الذي لا يصح القفز عنه، وتغافله.
في كل الأحوال الصراع لن يتوقف مع الاحتلال؛ فهو قد ينجح هنا ويخفق هناك، صحيح أنه يضرب، ويغتال، ويقصف، لكن المقاومة كذلك لها قوتها وطريقتها وأساليبها الذكية، وهي أيضًا تضرب الاحتلال، ولو لم تكن توجع الاحتلال لما خطط الاحتلال للوصول إلى غزة واغتيال الشهيد فقها.
كما جرت العادة لم يعود قادة المقاومة شعبهم خذلانه، أو عدم تنفيذ وعودهم، وما توعدت به حماس عبر جناحها المسلح سينفذ، كونها عودت شعبها الصدق في الوعد والوعيد، وقادة الاحتلال _وعلى رأسهم "نتنياهو" و" ليبرمان"_ يعرفون هذا، وأن الرد قادم، لكنهم لا يعرفون أين وكيف.
قد نسمع عن اغتيالات جديدة في المستقبل لقادة المقاومة، وهو أمر متوقع في كل لحظة؛ فالاحتلال لم يترك أسلوب الاغتيال أسلوبًا يراه ناجعًا في محاربة المقاومة منذ إنشاء كيانه الغاصب، ولكن في المحصلة مهما نجح الاحتلال في اغتيال المزيد من القادة وكوادر المقاومة؛ فإن المقاومة لاحقًا هي من ستنتصر، وقتلاهم في النار، وقتلى المقاومة شهداء في الجنة، كون المقاومة صاحبة الحق والأرض، وقضيتها أعدل قضية على وجه الأرض، "إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا".