عاد ملف الإسرائيليين الأسرى لدى حماس يطفو على ساحة الأحداث السياسية في (إسرائيل)، عقب موافقة الأخيرة على بدء مفاوضات فورية عبر الوسطاء للتباحث بشأن مبادرة الحركة، التي أبدت استعدادها لتقديم مقابل جزئي للإفراج عن أسرى فلسطينيين.
هذه المرة الأولى التي تعلن فيها (إسرائيل) استعدادها للحوار بشأن أسراها بغزة، بعد أن بقي الحديث بهذا الملف سريًّا سنوات، وتجنبت الخوض بتفاصيله، رغم الرسائل المبطنة التي أطلقتها حماس بين حين وآخر لتشكيل رأي عام ضاغط من أهالي الجنود على (إسرائيل) لتحريك الملف.
موافقة (إسرائيل) على مبادرة حماس تؤكد أننا ما زلنا في بداية طريق طويل إلى مفاوضات شرسة قد تثمر صفقة نهائية، فالفجوة بينهما متباعدة، و(إسرائيل) تدعي أن حماس لا تحتجز أحياء، بل تحتفظ بجثث الجنود، وهي رواية تسوقها أمام أهالي الجنود، وتتخذها ذريعة لتأجيل المفاوضات.
المعلومات عن الحراك الحاصل بين حماس و(إسرائيل) تتعلق بأن موافقة الأخيرة على بدء المفاوضات مع الحركة قد تعد ورقة اختبار تريد منها التحقق من المعلومات الاستخبارية لديها بشأن حالة الجنود لديها، لأن روايتها تدعي أنهم أو بعضهم قتلوا، خلال أسرهم في حرب غزة 2014م، أو في أثناء مكوثهم بغزة خلال السنوات الماضية، وإن تأكدت هذه الرواية فإن (إسرائيل) تبقى الطرف الأقوى في المفاوضات، لأنها تستطيع مقايضة ملف الجنود برزمة تسهيلات اقتصادية لغزة، أو الإفراج عن عدد محدود فقط من كبار السن وأصحاب المؤبدات العالية.
في المقابل، وفي حال ثبت العكس، أي أن الجنود، أو بعضهم ما زالوا أحياء لدى حماس، فإنه سيشكل هزة سياسية غير مسبوقة للمؤسسة الإسرائيلية، وحينها ستضطر الحكومة إلى تقديم تنازلات كبيرة لحماس، والشارع الإسرائيلي لن يتوانى بالضغط على الحكومة لإنهاء الملف، مهما كلف من ثمن، لأن مطالب عائلاتهم سيكون لها رصيد شعبي كبير، ولن يكون الحديث عن جثامين ذا جدوى، وهو الذي دأبت الحكومة على ترديده طوال السنوات الماضية.
تكتمت حماس على نشر تفاصيل عن المفاوضات التي لم تبدأ بعد، لكن الظرف الإنساني في غزة -خاصة بعد ظهور كورونا- ربما دفع قيادتها لإطلاق المبادرة، ما يعني أن ما قد تنتظره بداية الصفقة إطلاق سراح الأسرى من كبار السن والمرضى والأطفال والنساء، ممن تخشى عليهم انتقال الوباء إليهم، وتحسين الظروف المعيشية في القطاع، وإدخال معدات طبية تحتاج لها مشافيه للإسراع في فحوصات المشتبه بإصابتهم بالمرض خشية تفشيه في غزة.
الإفراج عن الأسرى الكبار من ذوي المحكوميات العالية يمكن الحديث بشأنه في مرحلة لاحقة من المفاوضات، في حال سارت الأمور طبيعية وسلسة، لأننا سنكون أمام مفاوضات شاقة بشأن طبيعة الأسرى الذين نطالب بالإفراج عنهم، ومن الطبيعي ألا تجد مطالبنا موافقة إسرائيلية فورية.