أعادت أزمة فيروس كورونا اختبار المشهد الفلسطيني الداخلي، على وقع التعقيدات الداخلية المرتبطة بالانقسام، والعلاقة بين الإدارتين الحكوميتين في غزة والضفة الغربية، وطريقة التعاطي الفصائلي مع انعكاسات الأزمة.
لقد كشفت أزمة كورونا عن عمق أزمة النظام السياسي الفلسطيني المتآكل، مع إصرار السلطة وحركة فتح على اختزال الشرعية والمؤسسات الوطنية في الضفة الغربية، بعد الفراغ الدستوري الذي رسخه قرار الرئيس محمود عباس، حل المجلس التشريعي، ما اضطره –على سبيل المثال- إلى إصدار قرار تمديد الطوارئ، عبر آلية مخالفة للقانون الأساسي.
وأمام هذا المشهد يتضح حجم التحديات التي تواجه الفلسطينيين عمومًا، في حين تخضع السلطة في الضفة الغربية لاختبار صعب مع الزيادة المطردة في أعداد المصابين، ويبدو الأمر أكثر خطورة إذا اتسعت وامتدت أزمة كورونا إلى مستويات أوسع وأبعد، ما ينذر بتراجع اقتصادي يهدد استقرار السلطة في الضفة الغربية، في حين يتواصل نزف غزة على وقع حصار الاحتلال، وسلسلة العقوبات السابقة التي فرضتها سلطة رام الله، وقد ظهرت آثارها خلال تصدي القطاع لجائحة كورونا.
صحيح أن السلطة في رام الله بادرت مبكرًا بإعلان حالة الطوارئ لمواجهة الفيروس، لكن إجراءاتها على الأرض لم تعكس مستوى التهديد، وركزت على استعراض إعلامي قاده محمد اشتية رئيس حكومة حركة فتح والناطق باسم الحكومة إبراهيم ملحم.
ويتضح من متابعة نبض الشارع في الضفة الغربية عبر منصات التواصل الاجتماعي حجم القلق والانتقاد الشعبيين، مثال، انتقاد تأخر السلطة في اعتماد مواقع للحجر الصحي، خصوصًا للعمال العائدين من فلسطين المحتلة، إذ رفض اشتية فكرة حجر العمّال في المدارس، متذرعًا أنها غير عملية، وتشكل تشتيت لعمل الطواقم الطبية والأمنية، لا سيما عندما نتحدث عن آلاف العمّال، ثم استخدم لاحقًا هذه الآلية بعدما أصبح عدد العمال أكبر وإمكانية حجرهم أخطر.
لقد اكتفت السلطة خلال الأزمة بالاعتماد على الحجر المنزلي، وعند ظهور أعراض على الأفراد ينقلون إلى أماكن العلاج والحجر المركزية، وهي طريقة لم تضمن الحد من انتشار الفيروس أو التزام الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية.
ومع تفعيل الرئيس قانون الطوارئ، ومنح اشتية الصلاحيات، حسب المرسوم الرئاسي بتمديد مدة الطوارئ، الحكومة اعتمدت على المناشدات لضبط الشارع، وتركزت جهودها بالدرجة الأولى في رام الله، وبيت لحم، دون اعتماد حازم في تثبيت قواعد السلامة.
في المقابل اهتمت سلطة رام الله باستغلال أزمة كورونا في تجميل صورة جهاز المخابرات التابع لماجد فرج، وقد عمدت إلى إبراز نشاط الجهاز في توفير أدوات الفحص الخاصة بالكشف عن فيروس كرونا، باستخدام طرق الترويج والدعاية التجارية، وهو ترويج يكشف عن الدور الذي يلعبه جهاز المخابرات اليوم، وما يحضر له مستقبلًا، والنفوذ الذي يتمتع به داخل مؤسسات السلطة.
وبينما حرصت حركة فتح على استغلال أزمة كورونا في إطار استنهاض التنظيم في محافظات الضفة، لتجاوز حالة الترهل الداخلي، بأنشطة وفعاليات مساندة للحكومة لمواجهة كورونا، في المقابل أغلقت الباب أمام أي فعاليات تنظيمية أخرى، ومنعت أي دور لباقي الفصائل، خصوصًا حركة حماس.
وعلى قاعدة رب ضارة نافعة، تحاول السلطة استثمار الأزمة لناحية استجلاب دعم وتمويل خارجي، وقد ثبت من البيانات الصحفية أن حكومة شتيه تركز جهودها على توفير التمويل للمؤسسات الصحية والحكومية في الضفة الغربية، في حين يحشى اسم غزة في التصريحات، من باب سحب الذرائع وتأكيد وحدانية شرعية السلطة والحكومة فقط، في وقت لم يصل فيه إلى غزة منذ بداية الأزمة سوى نحو 4 آلاف دولار.
لقد أثبت سلوك السلطة وحكومة رام الله في إدارة أزمة كورونا أنه يعكس حالة الانقسام، واستمرارها بالنهج الإقصائي نفسه، رغم مبادرة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لتجاوز الخلافات، والاتصال بمحمد اشتية، وحثه على القيام بمسئوليته تجاه الفلسطينيين في الضفة والقطاع لمواجهة هذه الجائحة.
إن رصد إعلام السلطة يكشف عن توجهات سياسية سلبية في التعاطي الداخلي مع الأزمة، ويكفي متابعة وسائل إعلامها الرسمي مثل: وكالة وفا، وتلفزيون السلطة، وصحيفة الحياة، لتأكيد حرصها على التأليب على غزة، والتشكيك بقدرة حماس وإدارتها على مواجهة الجائحة.
ولولا الإجراءات التي اتخذتها إدارة غزة لمواجهة كورونا، لشن على غزة حملة تأليب وهجوم قاسية لتحميلها مسئولية الأزمة، وتشويه صورتها أمام الرأي العام الفلسطيني.
ومهما يكن فإن اختبار معركة "كورونا" للجبهة الفلسطينية لم ينته بعد، وما زالت السلطة تواجه عدة تحديات في حال استمرار الزيادة في أعداد المصابين، وتأثير ذلك على صمود القطاع الصحي، وقدرة الأجهزة الأمنية على احتواء الفلتان الأمني، مع تحذيرات من تصاعد الأزمة المالية، ما يحد من قدرة السلطة على القيام بالتزاماتها الكاملة في هذه المعركة.