أبدت الجهات الأمنية الإسرائيلية اهتماما واضحا في دراسة التبعات المتوقعة لانتشار وباء كورونا على البيئة المحيطة بـ(إسرائيل)، بما فيها التأثيرات السياسية والعسكرية والإستراتيجية، في ظل أن هذا الوباء قد لا ينتهي قريبا، وسيترك آثاره المؤكدة على موازين القوى السائدة في المنطقة، وربما العالم.
آخر هذه الاهتمامات ما أصدره جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية –أمان من تقدير موقف عسكري إستراتيجي، حيث شكل رئيس هيئة أركان الجيش أفيف كوخافي طاقما خاصا لبحث التبعات المترتبة على هذا الوباء بإشراف تامير هايمان، استنادا لمعلومات أمنية واستخبارية حصل عليها الجهاز من مصادره، وتم رفعه للمستوى السياسي.
التقدير الاستخباري الإسرائيلي رأى في قطاع غزة الأكثر قابلية للاشتعال، وهي المنطقة الأكثر دافعية لاندلاع أي توتر أمني، ووفق الصيغة السائدة في الجيش الإسرائيلي فإن كمية المصابين الفلسطينيين بكورونا لا تترك تأثيرها على إمكانية توقيت اندلاع المواجهة القادمة، فالأمر قد ينشب تحت أي سبب سواء من المتظاهرين الذين قد يقتربون من الجدار، أو منظمات مسلحة غير منضبطة، وربما إن غيرت حماس وجهتها.
النقطة الأهم في هذا التقدير الأمني ما أعلنته حماس، حين هددت أخيرا إسرائيل بأنها إن لم تقدم المساعدة الطبية اللازمة، فقد تتسبب بمواجهة وشيكة، ما دفع جهاز الاستخبارات لأن يقدم إنذارا خاصا حول ما يحدث في غزة، وإمكانية أن يترك تأثيراته السلبية على أمن (إسرائيل)، لا سيما بالنسبة للمساعدات الإنسانية، والخشية من عدم السيطرة على هذا الوباء البيولوجي، ما قد يعمل على تغيير الوضع الأمني في القطاع، لا سيما الإضرار بالجبهة الداخلية لـ(إسرائيل)، في حال لم تتلقَّ مساعدة إنسانية وطبية عاجلة.
أوساط أمنية إسرائيلية تعتقد أنه من الصواب استغلال الوضع السائد في غزة، والتقدم باتجاه صياغة تسوية مع حماس، لا تضر بالسلطة الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى لا تتطرق للمجال السياسي، مقابل إنجاز تسوية مع حماس تضمن تحقيق هدوء أمني طويل المدى من خلال وساطات دولية.
بالنسبة للضفة الغربية، فإن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تقدر جهود السلطة الفلسطينية لمواجهة الكورونا، حيث تتلقى الجهات الفلسطينية الرسمية مساعدات مكثفة وتنسيقا دائما مع مجلس الأمن القومي الإسرائيلي والإدارة المدنية الإسرائيلية رغم الانتقادات التي وجهها رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية لـ(إسرائيل)، لكن الأوساط الأمنية رأتها تصريحات تهدف لإشغال الرأي العام الفلسطيني عن قضايا أخرى.
الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تسعى لاستغلال وباء كورونا لتقوية علاقاتها بنظيرتها الفلسطينية، لزيادة مستوى الثقة بينهما، وفي حال نجحت إسرائيل في التخلص من الوباء، وأعادت الحياة لاقتصادها المنهك، فإن هناك خشية من عدم استعادة العمال الفلسطينيين، وأن يتم استبدالهم بالعمال الصينيين، ما يتطلب تقوية علاقات الجانبين، والنظرة إلى اليوم التالي لنهاية مرحلة كورونا.