لا أعرف إلامَ استند بعض من ينادي بتخفيف الإجراءات الاحترازية الوقائية من فيروس "كورونا"؟ أم اغتر البعض بقلة الإصابات في غزة، وتعافي غالبية المصابين؟ أم ضجروا من وجودهم في المنازل وزيادة وتيرة نظافتهم؟ أم عدم تقدير للموقف؟ أم هو الاستهتار واللا مبالاة؟ أم هو الجهل ومن الجهل ما قتل؟!
هؤلاء ببساطة يريدون منا نحن الدول أو قل الشعوب الفقيرة إلقاء السلاح الأقوى الذي نملكه وهو الوقاية والأخذ بالتوجيهات الطبية وتنفيذها بالشكل السليم والدقيق، والصبر على المحنة.
الدعوات التي تحمل طابع التسرع والاستخفاف بالفيروس ولا تحسب عاقبة الأمور، لا تدرك حقيقة ما فعلته "كورونا" بدولة عظمى وألقت بالمئات من أبنائها في القبور وزجت بالآلاف في المشافي، وشلت عجلة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها، حتى أصبحت تتسول المساعدات من جيرانها الذين بالكاد يهتمون بأنفسهم.
الوقاية هي عنوان النجاة لأمثالنا، وبعد التوكل على الله والثقة بقضائه وقدره، ليس أمامنا إلا أخذ الأمور بجدية عالية والتركيز على النظافة الشخصية وغسل اليدين والتعقيم المستمر، وتحقيق التباعد الاجتماعي وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة.
الاستهتار بصورته الفردية أو الجماعية سيؤدي إلى انتشار الوباء، وحينها سنفقد السيطرة، ولا مجال في هذه الأزمة لـ(أنا) بالمطلق، فأي خلل سيكون الخطأ الأول والأخير أيضا، ولن نستطيع حصار الوباء، وواجبنا جميعا المزيد من الإجراءات الوقائية وتعزيز ثقافة البقاء في البيت وتعزيز الوعي، وعدّ الالتزام الصحي لدى كل فرد واجبا وطنيا ومسؤولية إنسانية.
لم يثبت علميا حتى الآن دقة ما يبثه البعض أن ارتفاع درجة الحرارة سيعمل على انحسار الوباء، والخبراء يقولون إنه رهان خاسر، في حين نسفت دراسة حديثة "قاعدة المترين" للوقاية في الأماكن العامة، المتعارف عليها حول العالم، باعتبار مريض "كورونا" حين يسعل أو يعطس، فإنه ينشر جزيئات الفيروس على مدى 4 أمتار، حتى أن فرنسا لا تزال تحاول فك شيفرة كيف ضربت "كورونا" حاملة الطائرات "شارل ديغول" وأصابت العشرات على متنها وهي تجوب أعالي البحار بعيدا عن اليابسة منذ شهر ولم يدخل إليها أو يخرج منها أحد.
"كورونا" احتلت الأرض، والعالم لا يزال في أتون المعركة، وغالبية المصابين لا تظهر عليهم الأعراض، والمؤكد لا يوجد علاج حقيقي حتى الآن، بل إن بعض من تعافوا من المرض عاد إليهم، ولذلك فالمشاهد التي نراها من اكتظاظ في بعض الشوارع والأسواق وعند شاطئ البحر تبعث على القلق وتنبئ بالخطر.
المقدرات الصحية في غزة ضعيفة، وزادها هشاشة حصار إسرائيلي ظالم لأكثر من 14 عاما، وتفشي المرض في داخل قطاع غزة سيبث الرعب بين الناس، وستكون الكارثة، ومن المبكر جدا الحديث عن تخفيف الإجراءات.
إن المؤسسة الحكومية مطالبة بتشديد قبضتها، وإلزام الجميع بإجراءاتها حتى لو مست بعضا من حريتنا في سبيل حفظ الإنسان، فالتزام كل مواطن مسؤولية وطنية وأخلاقية ومجتمعية، والاستهتار جريمة حقيقية قد تفتك بالشعب بأسره، لا بد من منعها.