مفاوضات إطلاق سراح الأسرى ضمن صفقة تبادل أمر جدي، ويمكن أن تنجز الصفقة في زمن سريع، لا سيما أن لقيادة غزة مصلحة في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، للتقدم خطوة على طريق فك الحصار الكامل عن غزة، وللقيادة الإسرائيلية مصلحة مركبة في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين معاً، فقد وضع فيروس كورونا الاحتلال الإسرائيلي في ورطة حماية الأسرى وسجانيهم من الوباء، ولا يتنكر الاحتلال للمسؤولية الكاملة عن سلامة الأسرى وفق القانون الدولي، ووفق الغضب الشعبي الفلسطيني الذي قد يخلط الأوراق الأمنية في كل لحظة.
صفقة التبادل التي تُجرى عبر وسائل الإعلام بين رجال المقاومة والاحتلال الإسرائيلي لها شق سري يُجرى هناك خلف الكواليس حيث الوساطة المصرية والألمانية والروسية وغيرها، هناك خلف الكواليس تتقدم أسماء أسرى للإفراج عنهم، وتتراجع أسماء أسرى، وتصير المقايضة، ويصير الضغط، ويصير الإغراء، لتظهر النتائج مفرحة لبعض الأسرى، وموحشة وقاسية وأليمة لبعضهم الآخر، وهذا ما يحثني كمحرر على توجيه رسالة إلى المفاوض الفلسطيني بألا يقبل بصفقة تبادل أسرى لا تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية الآتية:
أولاً: عدم التنازل عن مطلب إطلاق سراح أسرى القدس، وأسرى الـ48، أولئك الذين لبوا نداء الواجب، والتحقوا بصفوف الثورة الفلسطينية، ورفضت (إسرائيل) إطلاق سراحهم ضمن صفقة 1985، ولم تطلق سراحهم ضمن صفقة اتفاقية أوسلو، ولم توافق على إطلاق سراحهم ضمن صفقة وفاء الأحرار 2011، وتعدهم (إسرائيل) مواطنين خانوا الدولة، ولا حق لأحد أن يطالب بإطلاق سراحهم، رغم أن بعضهم تجاوز الستين عاماً، ومعظمهم قضى في السجون أكثر من ثلاثين عاماً، ومنهم: كريم يونس، ووليد دقة، وإبراهيم أبو مخ، وماهر يونس، وآخرون.
إن التخلي عن هؤلاء الرجال هو تخلٍ عن الوطن، وذبح لروح الانتماء، واحتقار للقيم والمبادئ الإنسانية.
ثانياً: القادة التاريخيون للتنظيميات الفلسطينية، الذين يعني الإفراج عنهم انتصاراً متميزاً لمستقبل الوطنية في الضفة الغربية، ومن هؤلاء: الأسير مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وأمثالهم من قادة التنظيمات، لهؤلاء الرجال حق بالحياة رغم أنف من خذلهم، فحريتهم مكسب سياسي كبير للقضية الفلسطينية.
ثالثاً: الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى، هؤلاء الذين تضمنتهم مبادرة السنوار، ليكون إطلاق سراحهم ضمن بادرة حسن النوايا من قبل الطرفين، وأزعم أن لدى المقاومة في غزة معلومات وصورا تخص الأسير الإسرائيلي منغيستو، وأسيرا آخر مدنيا، وهذان يمكن المقايضة عليهما، مع التحذير من الوقوع في خطأ تقديم أي معلومة عن الجنود الإسرائيليين الذين وقعوا في الأسر في أثناء عدوان 2014، فالأجدر أن يظل مصير هؤلاء المفقودين لغزاً، لا يفك إلا في اللحظة الأخيرة من تنفيذ الصفقة، وهذا ما نجح فيه حزب الله، حين أخفى مصير الأسرى الإسرائيليين لديه، ليكتشف الاحتلال الإسرائيلي أن أسراه كلهم جثث في توابيت.
الظروف السياسية والإنسانية مهيأة لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، وإمكانية تحقيق إنجاز سريع غير مستبعد، ولم يبقَ إلا إدارة المعركة بحكمة وحنكة وثقة بأن للشعب الفلسطيني قيادة وفيّة لن تتخلى عن رجالها الأوفياء.