فلسطين أون لاين

​القلق الزائد للأم على الأبناء وآثاره النفسية

...
بقلم / زهير ملاخة

الأم هي منبع الحنان لأبنائها, فهي تشعر بأنهم كل شيء حتى نبض قلبها يدق حبًا لأبنائها، وبالتالي فهي ثروة عاطفية تجعلها دائمة الحرص عليهم في مأكلهم ومشربهم وحاضرهم ومستقبلهم، حتى أنها تبكي حرقة لبكائهم وتسعى لتوفير كل ما يلزم لراحتهم ورسم السعادة في قلوبهم.

هذه العاطفة والحب والتفكير الدائم قد يدفع بعض الأمهات للقلق الزائد تجاه أبنائهن في كل تفاصيل حياتهم، حتى البسيطة منها، لكنها تخشى أن يُصاب بسوء أو يحدث له مكروه، وهذا ما يجعلها دائمة التفكير ويشعرها بالهم والتعب والمشقة وعدم الراحة والألم النفسي الدائم, فمثلًا تخشى من خروج الأبناء للعب مع أقرانهم أو تمنعهم من شراء حاجيات وحدهم, كما وتشعر بالخوف إذا ما اهتموا بنظافتهم بشكل دائم، لكنه زائد، وكأنها حالة من الهوس والوسوسة قد تنتابها.

ناهيك عن معاملتها، وقلقها على أطفالها إذا ما كانوا في مرحلة الرياض أو المدرسة، فهي دائمة الاتصال والسؤال والذهاب للاطمئنان وتنتظر الساعة تلو الساعة وغيرها من السلوكيات التي تشير للقلق الزائد عند الأم.

هذا التصرف دون الاحتكام للعقل والروية والحكمة يؤثر حتمًا في شخصية الأم من حيث زيادة التعب ومشاعر الإرهاق والألم والانشغال عن نفسها وحقها في ممارسة حقوقها من علاقات أو أوقات ترفيه أو الاهتمام بخصوصياتها أو حتى يجعلها في علاقة زوجية فيها شيء من الاضطراب ناتجة عن طلباتها المتعددة من اجل أبنائها أو إهمال أوقات زوجها وإشغال زوجها بشكل مقلق بكل صغيرة وكبيرة فهي في حالة طارئة دومًا.

ناهيك عن الآثار المترتبة على شخصية الأبناء، فقد تكون سببًا في حصر شخصية أطفالها وعدم تنمية روح المسؤولية والقيادة عندهم والتي قد تجعل منهم شخصيات اتكالية أو انطوائية أو مدللة بشكل مفرط ومن الدوافع التي تدفع الأم لهذا التصرف والقلق الزائد متعددة منها:

- خبرة سابقة عايشتها مع أسرتها أو تربت عليها أو تعرضها لمعاملة والدية وأسرية مضطهدة أو قاسية أو قائمة على الخوف والحرص الزائد ولّدت لديها مشاعر الترقب والخوف والتفكير الزائد والعاطفة الزائدة.

- بعض المفاهيم الاجتماعية والعادات التي قد تتوارثها الأم من أهلها كالرعاية الدائمة للابن حتى وإن كان كبيرًا, أنه لا يوجد أحن على الابن من أمه، حتى لو كان ما كان وهذا يدفعها للحرص والقلق الزائد.

- التعرض لمواقف أو أحداث كان أبناؤها فيها عرضة للخطر فيتولد لديها نوبات من الخوف يدفعها للحرص أكثر على أبنائها, كما أن ظروف المجتمع وأمنه واستقراره تلعب دورًا في تكوين الاعتقاد لدى الأم التي تولد مزيدًا من مشاعر الخوف والقلق.

- ظروفها الخاصة مثلًا الزواج أو الإنجاب المتأخر, ظروف بيتها من زوج وعائلة وتعرض أبنائها للضرب أو الإيذاء, قد يدفعها للخوف والتفكير الدائم بأبنائها.

- بعض الاعتقادات الخاصة بالأم مثلًا تعدّ الأولاد عنصرًا مهمًا لحماية بيتها ونجاح أسرتها, أو حالة المبالغة التي قد تحياها الأم تجاه واجباتها وفي إدارة أمورها وهذا يولد قلقًا دائمًا مبالغًا فيه.

وبالتالي من أجل حياة أمومية أكثر اعتدالًا واستقرارًا وحياة هادفة تخلو من التوتر والقلق لا بد من التوعية المسبقة من قبل الأهالي والأمهات لبناتهم في كيفية إدارة أسرهم لتحافظ على سلامة صحتها النفسية، وتتحلى بالقدرات اللازمة المثمرة في التعامل مع أبنائها وتجسيد النماذج الإيجابية من المعاملة التي تساعد من تحكم المرأة في عاطفتها وعقلها بما يخدم شخصية ومستقبل أولادها وتزرع الثقة والمسؤولية والمهارة والقدرة واستخدام أساليب التحفيز والتعزيز واستخدام أساليب تربوية قائمة على بناء الذات والتفاعل الاجتماعي وتنمية مهارة الحوار والتنافس وغرس مهارات القيادة, وذلك لتحقيق النجاح في حياتهم وتعاملاتهم مع المجتمع الخارجي، وعليها أن تعي أن نجاحها يكمن في تأهيل أبنائها للنجاح في مستقبلهم وامتلاكهم القدرات الشخصية اللازمة للتعامل مع العالم الخارجي بشكل ذاتي مسؤول.