أكد النائب في المجلس التشريعي، المُبعد عن مدينة القدس المحتلة، أحمد عطون، أن سياسات الاحتلال الممنهجة تجاه المدينة المقدسة ومعالمها الدينية، تجعلها تعيش على أعتاب الفصل الأخير من سيطرة الاحتلال الكاملة عليها.
وبين عطون في حوار مع صحيفة "فلسطين"، أن المشهد العام في القدس المحتلة بكافة تفاصيله أقرب ما يلامس واقع النكبة التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني عام 1948.
وقال: "إن حربًا حقيقيةً مفتوحةً تشن بشكل مخطط وممنهج تجاه مدينة القدس وسكانها، وإن تنوعًا في هذه الحرب المنفذة تجاه العقيدة الإسلامية، والتاريخ، والمقدسات، والبيوت، والتعليم وعلى الذاكرة الحية في عقول الفلسطينيين".
وأضاف: "الاحتلال يعرف ما يريد، وإلى أين سيصل في مدينة القدس بكل جوانبها، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وقد وضع الميزانيات والخطط باتفاق بين المؤسسات السياسية والأمنية والدينية المختلفة لخدمة هذه الاستراتيجية".
استراتيجية مخططة
وتابع عطون: "إن من هم بداخل مدينة القدس لم ينج بشرًا كانوا أو حجرًا، أحياءً أو أمواتًا، وذلك كله يتم عبر استراتيجية مخطط لها تمامًا، وتنفذ بشكل دقيق عبر أذرع الاحتلال كل من جانبه وتخصصه".
ونوه إلى إرساء أوّل رئيس وزراء للاحتلال دافيد بن غوريون، في الأيام الأولى من احتلال فلسطين عام 1948 قاعدة لا تزال سلطات الاحتلال تعمل بها حتى اللحظة، وهي أن "لا قيمة لـ(إسرائيل) دون القدس، ولا قيمة للقدس دون الهيكل"، وفق زعمهم.
وأشار إلى عدم تعامل الاحتلال وفقا لردود الأفعال الفلسطينية أو العربية، وأن كل مشروع أو نشاط داخل القدس، أو فيما يخص المسجد الأقصى المبارك والمقدسات الأخرى في المدينة "مدروس تماما".
وبين أن اقامة المهرجانات الراقصة أو تنظيم المسابقات الرياضية، أو السياحية وغيرها على بوابات المسجد الأقصى وتخومه تأتي ضمن مخططات طمس معالم القدس ووجهها العربي الإسلامي الأصيل، وتزوير التاريخ عبر هذه الممارسات بزعم أن هذه المدينة يهودية خالصة.
ولم تكتفِ سلطات الاحتلال -والحديث لـ"عطون"- بتغيير وجه المدينة وتزويرها عبر إقامة المهرجانات والفعاليات على بوابات الأقصى وفي ساحاته الخارجية، إذ إن الساحات الداخلية للمسجد حولت لمزار ينتهك يوميًا من قبل المستوطنين المتطرفين، أو من يدعون أنهم سُياح يجوبون المكان بملابس لا تتناسب مع طبيعة هذا المعلم الديني المقدس.
وشدد عطون على أن المواطنين المقدسيين هم فقط رموز التصدي لمشاريع الاحتلال ومخططاته، مدافعين عن المسجد الأقصى ومقدساتهم، في وقت يشهد قصورًا فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا "رهيبًا".
وأكد عدم وجود أي جهات رسمية راعية ومساندة لتعزيز صمود المقدسيين في ظل التغول الاحتلالي الخطير، رغم أن هذا الصمود لا يكون استمراره إلا عبر الدعم المالي والمعنوي للمواطنين وإنشاء المشاريع المختلفة لهم التي تعزز من صمودهم.
وبين عطون أن من يهدم منزله من مواطني مدينة القدس تحت أي ذريعة احتلالية كانت، لا يجد من يدعمه لبناء منزل جديد، لتعزيز صموده في المدينة، وتثبيت وجوده فيها، باستثناء ما يقدم لبعض الحالات الاجتماعية الخاصة بأقل القليل عبر محافظة القدس.
وعلى صعيد الدعم العربي للقدس؛ قال عطون: إن "المقدسيين يسمعون كما غيرهم عن رصد الأموال والميزانيات المالية لدعم المدينة، غير أنهم لا يرون منها شيئًا"، مشددًا على استغلال الاحتلال لهذا الواقع ووجود القدس وحيدة بين أنيابه، ليمرر سياسته وينفذها دون تعكير صفو، ويفرض من جهة أخرى أكبر قدر ممكن من تغيير الواقع لصالحه.
استهداف النواب
من جانب ثانٍ، أكد النائب المبعد، أن حملة استهداف نواب المجلس التشريعي في الضفة الغربية، لم تتوقف منذ فوز كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية بالأغلبية عام 2006.
وقال: إن "جميع نواب كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية، تم اعتقالهم فعليًا في سجون الاحتلال، وذلك بعد اعتقال النائب سميرة الحلايقة من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وقد حوكم معظمهم إداريًا لفترات متفاوتة".
وأضاف أن النواب يتم اعتقالهم تحت ذرائع وحجج مختلفة، كالتحريض والمشاركة في فعاليات جماهيرية أو شعبية كمسيرات تشييع الشهداء، والحديث عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما أزعج الاحتلال وعده رفعا للصوت ضده.
وشدد على أن الواجب الوطني هو ما يملي على النواب مشاركة الجماهير والمواطن الفلسطيني في أفراحه وأتراحه، وفضح ممارسات الاحتلال وجرائمه، لاسيما وأن النواب انتخبوا لتمثيل شعبهم والدفاع عن حقوقهم.
وتابع عطون: "الوضع الطبيعي أن يمارس النواب دورهم في العمل النيابي، ولكن بسبب تعطيل المجلس حتى الان بقرار سياسي من السلطة، يشارك النواب أبناء شعبهم في العديد من الفعاليات، وهو ما جعلهم في دائرة الاستهداف والاعتقال".
وأردف "رغم الصوت البسيط الذي يرفعه النواب، والإمكانيات المحدودة في أيديهم، لا يريد الاحتلال لهم أن يعملوا ولا أن يؤدوا هذا الصوت حتى ولو بالكلمة"، مضيفا بالقول "إن صوت نواب التغيير والإصلاح هو الصوت الوحيد تقريبا في الضفة".
وأكد عطون أن الاحتلال يريد أن يغيب النواب عن المشهد، بسياسة الاعتقال، ويترك الساحة خالية من دون أي قيادة تمثل شعبها وتحمل همومه، مبديًا أسفه بأن يكون صوت النواب في الضفة مزعجًا للسلطة كما الاحتلال.
وشدد على أن توفر الإرادة السياسية لدى السلطة الفلسطينية والقيادة العربية يغلق بشكل مؤكد باب اعتقال النواب وزجهم في السجون من قبل الاحتلال، مشيرًا إلى أن هذه الأطراف لديها بطاقات ضغط كثيرة لكنها لا تستخدمها في هذا القضية.
ابتلاع الأراضي
وفي ملف منفصل، قال النائب عطون: إن الحالة الفلسطينية المنقسمة، وعدم تحقيق المصالحة الوطنية، أوجد فرصة سانحة للاحتلال الإسرائيلي للعب في ساحة خالية من تنغيص خاصة فيما يتعلق بملف الاستيطان وابتلاع أراضي الفلسطينيين في بطنه.
وأوضح أن الاستيطان في الضفة الغربية بات يقطع المدن إلى أوصال منفصلة لا روابط متصلة بينها، فيما بات الفلسطينيون يتواجدون في مناطق محشورة، وأن الاحتلال ورغم ذلك لديه طمع وجشع لالتهام المزيد من أراضي الفلسطينيين.
ودعا عطون إلى ضرورة العمل على ترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء حالة الانقسام السياسي، على اعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي هو المستفيد منها في تمرير وتنفيذ مشاريعه، مع التفرغ لمواجهة الاحتلال بالطرق جميعها.