من الواضح تمامًا أننا نشهد لحظة تاريخية فاصلة، في بضعة أسابيع قلب "كورونا" عالمنا رأسًا على عقب، وإذا ما استمرت جائحة كورونا أسبوعًا أو شهرًا أو عامين، فإن نمط حياتنا سوف يتغير بشكل لا رجعة فيه.
يرى بعض أن كورونا "أجهز" على العولمة وعزز دور وسلطة الدولة القومية، وهو يعجل من ولادة عالم أقل انفتاحًا وازدهارًا وحرية، هذا وكشف كورونا مدى هشاشة "أنظمتنا" السياسية والاقتصادية والأخلاقية وانعدام صالحيتها وتراجع جدواها؛ فها هو رئيس وزراء الهند يعتذر إلى فقراء بلده مع تفاقم الثمن الاقتصادي والإنساني، مسوغًا: "لم يكن هناك خيار آخر"، ونسي أن النيوليبرالية التي ينتمي لمنظومتها أفقرت العالم روحانيًّا وماديًّا واستنزفت الطبيعة وعمقت التفاوت الهائل بين الأفراد والطبقات والشعوب.
وبقدر ما يشكل الوباء أزمة للصحة إن له تأثيرات سلبية على الاقتصاد عامة؛ ما قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات اجتماعية واقتصادية، صحيح أن لا أحد يعلم على وجه الدقة، كيف يمكن أن يتطور الوباء خلال الأيام والأسابيع القادمة، غير أن تأثيره على الاقتصاد وخصوصًا على القطاع الزراعي سيتوقف إلى حد كبير على الوقت اللازم لوقف انتشاره، لذلك، ربما يكون تقييم الأثر على قطاع الزراعة سابق لأوانه.
لكننا يمكن أن نقول، من واقع تجاربنا السابقة في حالات الطوارئ، إبان الانتفاضتين الأولى والثانية، وأيضًا خلال العدوان المتكرر على غزة: إن للقيود على حركة السلع والأفراد آثارًا اجتماعية واقتصادية كبيرة على سبل العيش، وعلى قدرة الفئات الفقيرة على "الصمود"، ما يزيدها انكشافًا، إلى ذلك تؤدي هذه القيود غالبًا إلى تعطيل سلاسل السوق وتجارة المنتجات الزراعية، مع تأثيرات مؤكدة كبيرة على السكان الذين يعتمدون عليها في معيشتهم وأمنهم الغذائي والتغذوي.
ولمواجهة هذه الآثار السلبية المحتملة يجب مراقبة الوضع بعناية واتخاذ سلسلة من الإجراءات لتخفيف الضغط عن صغار المنتجين، مع المساهمة في الجهد العام لوقف انتقال العدوى والسيطرة على الوباء ابتداء، وتقليل مدة الطوارئ ما أمكن، وضمان تزويد الأسر المعزولة في بيوتها بالطعام والغذاء، وهو ما يتطلب، من بين أشياء عديدة، فعاليات توعية وإرشاد للمزارعين للوقاية من الفيروس ومكافحته، وضمان ممارسة العملية الزراعية بأمن وسلامة، وتوريد الغذاء بكميات ونوعية جيدتين خلال مدة الطوارئ، ووضع تصور أولي لرزنامة زراعية لمدة الصيف والخريف بافتراض سيناريوهين: (1) استمرار حالة الطوارئ وتفاقم الوضع، (2) الانتعاش والتعافي وقد قضى على الوباء وعاد الناس إلى ممارسة حياتهم "الطبيعية".
صحيح أن الجهود تنصب اليوم على وقف انتقال العدوى والقضاء على الوباء، غير أنه من الضروري البدء في تصميم وتخطيط تدابير التخفيف والإنعاش المبكر ووضعها في أقرب وقت ممكن قيد التنفيذ، لتقليل التأثير الضار على النظم الغذائية وسلاسل السوق وتوريد الغذاء.
علاوة على ما ذكر، إن فهم ودراسة التأثير على سبل عيش الناس في المناطق الريفية، ودراسة أصل وظهور الفيروس في التفاعل بين الإنسان والحيوان والبيئة، أمر بالغ الأهمية لمنع تكرار هذه الأوبئة في المستقبل.