لا تخفي المؤسسة الإسرائيلية، الأمنية والسياسية، حرصها الجدي على عدم انتشار فيروس كورونا في قطاع غزة، وهو حرص ليس حباً في سواد عيون الفلسطينيين، أو إشفاقا على صحتهم، فالحصار الإسرائيلي هو الوباء الحقيقي أكثر من كورونا.
لكن الجهد الذي تقوم به (إسرائيل) لمواجهة أزمة كورونا في غزة تسعى من خلاله للحصول على ما تزعم أنه مقابل سياسي وأمني وعسكري من حماس، وتحقيق مصالح إستراتيجية لها، لا سيما من خلال إنهاء أزمة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الحركة في غزة، وتحقيق مصالحها الأمنية.
تتابع (إسرائيل) الإعلانات الفلسطينية في غزة بين حين وآخر, بأنها مسؤولة عن إمكانية انتشار كورونا في القطاع، وهذا الإعلان يعني أن هناك ربطا قسريا إلزاميا بين الوضع الصحي الإنساني في غزة، والوضع الأمني فيها.
هذا الربط عاشت (إسرائيل) آثاره سابقا في جولات تصعيدية مع حماس، وعلى رأسها حرب غزة الأخيرة 2014، صحيح أن حماس في غزة تحاول الحفاظ عليها هادئة مستقرة، لكنها اتخذت سلسلة خطوات احتياطية جادة تشير إلى قلقها الجدي المشروع من فرضية انتشار الوباء، وعلى رأسها التدرج في إعلان وقف طقوس الحياة في القطاع، بما فيها الصلاة في المساجد، وإقامة مئات وحدات الحجر الصحي في وقت قياسي.
الالتزام القانوني الإسرائيلي تجاه القطاع يترافق مع مصالحها الإستراتيجية لمساعدة غزة بمنع تفشي كورونا، لأن الهدف الإسرائيلي يجب أن يكون منع وقوع كارثة إنسانية في غزة، وفي الوقت ذاته المحافظة على الاستقرار السكاني في القطاع، لأنه في حال حصول أي زعزعة لهذه الأوضاع، فإن حماس وباقي الفصائل قد توجهها نحو (إسرائيل) من خلال المبادرة بتنفيذ أعمال عسكرية لانتزاع تنازلات منها بالقوة.
في ذروة الأزمة الإنسانية التي يعانيها كل العالم، بمن فيه الفلسطينيون والإسرائيليون، لا يتورع هؤلاء عن القول إن الجهود الإسرائيلية لمنع تفشي كورونا في غزة لا يجب أن تكون دون ثمن، والمقابل الأول الذي يجب أن تتحدث حوله (إسرائيل) مع حماس هو موضوع جنودها الأسرى في غزة.
أكثر من ذلك، يطالب بعض الإسرائيليين، والحديث عن ساسة وجنرالات، وليس أناسا عاديين، بأنه في حال زادت الطلبات الإنسانية والصحية من غزة، فلا مانع أن تزيد (إسرائيل) في قوائم مطالبها بخصوص أسراها هناك، بجانب الطلب من حماس فرض سيطرتها على باقي الفصائل لعدم قيامها بخروقات أمنية بين حين وآخر بإطلاق الصواريخ على (إسرائيل)، والتوقف عن توجيه العمليات العسكرية بالضفة الغربية، ما يجعل من أزمة كورونا فرصة إسرائيلية لاستغلالها لانتزاع تنازلات من الفلسطينيين.