تطلق سجون ولاية كاليفورنيا الأمريكية حالياً سراح السجناء خوفاً من أن تصبح تلك السجون المزدحمة مرتعاً لتكاثر فيروس كورونا الجديد الفتاك.
ولكنْ، هنالك مليونا سجين، معظمهم دون سنّ البلوغ، لن يتمّ إطلاق سراحهم من السجن، على الرغم من مخاطر الازدحام الشديد، والموارد والمرافق الصحية غير الملائمة، المفروضة عليهم من الخارج. إنهم شعب قطاع غزة الفلسطيني.
وتفيد وكالة الأنباء الفرنسية بأن مليونَي فلسطيني في غزة، ليس لديهم سوى 60 سريراً في وحدات العناية المركزة، وليس كل تلك الوحدات صالحة للعمل. فقد دمّر الحصار الإسرائيلي، الذي لا يسمح باستيراد العديد من السلع الأساسية، نظام الرعاية الصحية في القطاع. وفي فلسطين بشكل عام، هنالك 1.2 سرير مستشفى لكل ألف شخص، بالمقارنة مع 8.3 سرير لكل ألف شخص في ألمانيا.
والأرقام التي تكشفها الإحصاءات الصحية في القطاع سيئة للغاية. فالأطفال يعانون سوء التغذية، وطبقة المياه الجوفية الوحيدة ملوّثة، ومياه البحر تتسرب إليها، ولذا فإن 90% من المياه غير صالحة للشرب.
وستكون سجون كاليفورنيا جنة بالمقارنة مع قطاع غزة المدمر من قبل، في حال انتشار فيروس كورونا فيه، لا سمح الله.
ولأن الإسرائيليين دمّروا مطار غزة، ولن يسمحوا لمينائها بالعمل، ويقيّدون السفر براً إلى الخارج، فإن غزة معزولة إلى حد ما، ولم تبلّغ حتى الآن عن أي حالات إصابة بالفيروس (قبل يوم الأحد 22/3/2020، عندما أعلن عن إصابتين بعد كتابة هذه المقالة).
وقد وضعت السلطة الفلسطينية 637 شخصاً عادوا مؤخراً من الخارج تحت الحجر الصّحي، مدة أسبوعين. ولكن مع عودة المئات من الناس، هنالك خطر من أن يكون الحجر عليهم جزئياً، وأن يكون بعضهم حاملاً للفيروس، حتى لو لم تظهر عليهم الأعراض. فالناس يعيشون ضمن عائلات ممتدة في ظروف مزدحمة، ولذلك، فأنا لست متأكداً مما يتكون منه «الحجر الصحي».
وأعلنت السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية 36 حالة إصابة بفيروس كورونا، في مدينة بيت لحم.
وتفيد تقارير منظمة الصحة العالمية، بأن «متوسط العمر المتوقع عند الولادة للفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، كان 73.8 سنة، في عام 2017. وذكرت التقارير أن معدلات وفيات الرّضّع للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، في العام نفسه، كان 10.7 وفاة لكل ألف ولادة حيّة، وكان معدل الوفاة دون سن الخامسة 12.1 لكل ألف. وهنالك تفاوتات صحية، مع مؤشرات صحية أسوأ لبعض السكان، مثل أولئك القاطنين في المنطقة «ج» من الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، بالمقارنة مع المتوسط الفلسطيني.
وهنالك تفاوتات صحية أيضاً، بين السكان الفلسطينيين، والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية البالغ عددهم 611 ألفاً. ومتوسط العمر المتوقع عند الولادة في (إسرائيل)، الذي يشمل أعداد المستوطنين في الضفة الغربية، أعلى بما يقارب تسع سنوات مما هو للفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة نفسها، للعام نفسه. ولا أرى ذلك يبشّر بالخير.
كانت غزة مركزاً زراعياً وتجارياً مزدهراً في القرن التاسع عشر، مرتبطة بمصر، وبلاد الشام. ومنذ عام 1967 أصبحت مستعمرة إسرائيلية. ومنذ عام 2007، وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، سكان غزة تحت حصار غير قانوني. (غير قانوني لأنه بموجب اتفاقيات جنيف، لا يجوز لمن يمارسون الاحتلال إجراء تغيير جوهري في نمط حياة المدنيين غير المحاربين، الخاضعين للاحتلال).
وتشير (إسرائيل) بشكل دعائي إلى ما تقول إنه آلاف الصواريخ الصغيرة التي ضربت (إسرائيل) من غزة خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية، ولكنها لا تذكر أن حفنة فقط من هذه الصواريخ أصابت أي شيء. فمنذ عام 2004 إلى عام 2014، قتلت تلك الصواريخ 27 إسرائيلياً فقط، بينما قتل الإسرائيليون في الفترة نفسها ألوف الفلسطينيين في غزة.
ولو نظرنا إلى كل ذلك، في سياق تاريخي، لوجدنا أن 70% من العائلات المقيمة في غزة، كانت طُردت من ديارها الموجودة في ما هو الآن جنوب (إسرائيل)، لتقطن في مخيمات مُزرية للاجئين. ويستطيع العديد منهم العودة إلى منازلهم سيراً على الأقدام، لو لم يكونوا محبوسين في قفص صنعه لهم الإسرائيليون الذين سرقوا ممتلكاتهم، من دون منحهم أي تعويض.
وعودةً إلى فيروس كورونا، إذا ضرب الوباء قطاع غزة، واستمرّ الإسرائيليون في حصارهم، فسيكون ذلك جريمة حرب أخرى، من الجرائم التي تُرتكب ضدّ الشعب الفلسطيني.