تحول دراماتيكي في المشهد السياسي الإسرائيلي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ما شهده تحالف "أزرق أبيض" عقب إعلان زعيمه بيني غانتس تحالفه مع خصمه اللدود بنيامين نتنياهو زعيم الليكود، ما أدى مباشرة إلى تفكيك ذلك التحالف الذي لم يمضِ على إعلانه سوى عام تقريبا، أو أزيد قليلا، وقد نجح في أن يشكّل عقبة أمام نتنياهو خلال ثلاث دورات انتخابية.
بإعلان تفكك أزرق-أبيض يعلن نتنياهو أنه "ساحر حقا"، لأن ما لم ينجح بتحقيقه في ثلاث جولات انتخابية حققه بتفكيك الحزب المعارض له، ولذلك فإن كل التعهدات التي قطعها نتنياهو لغانتس بالحقائب الوزارية وبقواعد اللعب والتناوب على رئاسة الحكومة، تتقزم أمام هذه الحقيقة السياسية، لأنه لم يعد أمام غانتس طريق للعودة، لأن الكثيرين من ناخبيه شعروا بعد خطوته بـ"الخيانة".
مع العلم أن السبب الوحيد الذي جعل ناخبي أزرق-أبيض يصوتون له، رغم أنه حزب غير ناضج، رغبتهم في رؤية نتنياهو خارج الحكم، لكن الحقيقة الأكيدة أن هذا الحزب، خرج من جولة الانتخابات الثالثة مرضوضا، وكأن غانتس فهم أخيرا أن جولة رابعة ستقلص حزبه أكثر فأكثر، لأن حكومة الأقلية ما كان يمكنه أن يشكلها، ولو نجح بذلك، فإنها ستقع فريسة لأزمة كورونا والدعاية الخاصة لليمين.
في الوقت ذاته فإن غانتس لم يرغب بالجلوس في المعارضة، ورغم أن الاتفاق الذي يوشك على توقيعه يمنحه ظاهريا منصب رئيس الوزراء بعد سنة ونصف السنة، لكنه اتفاق باطل، فهو يمثل 15 مقعدا، ولا يمكنه أن يحصل على قوة متساوية أمام الليكود الذي يمثل 35 مقعدا، ما يدعو للتشكيك في فرضية تنفيذ مسألة التناوب في رئاسة الوزراء، والتوقع الأكثر ترجيحا أن غانتس سيكون وزيرا للحرب أو الخارجية بحكومة نتنياهو.
مع العلم أن غانتس أدار خلال الأسابيع الأخيرة خديعة في السياسة الإسرائيلية، لم يخدع معسكره فقط، بل تركه خائب الأمل ويائسا، لأنه خرق وعوده المتمثلة بأنه لن يجلس في حكومة برئاسة نتنياهو، ثم وعد بأنه لن يعتمد على القائمة المشتركة، لكنه نكث وعده.
كل ذلك يؤكد أن نتنياهو الساحر أمكنه فعل كل شيء، فهو صاحب الخدع في السياسة الإسرائيلية، وتبين فجأة أن غانتس من خلف الكواليس يجري مفاوضات متقدمة مع نتنياهو على حكومة وحدة وطنية، لكنها تظهر لكثيرين في معسكر غانتس، أنها وثيقة استسلام مخجلة.
كل ذلك يؤكد أننا أمام غانتس "النموذج" الذي لا يحب المخاطر، لا حين كان في الجيش، ولا عندما أصبح سياسيا الآن، وقد بات واضحا أن حالة الطوارئ بسبب كورونا أثرت في قراره.