الوطنية قيمة إنسانية عالية، وسمة ترفع شأن الشعوب، ومؤشر إيجابي على رقي وسمو الأفراد، جسدها ديننا الحنيف على لسان حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) بكلماتٍ خالدات: "والله لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت" مخاطبًا مكة المكرمة، هكذا تعلمنا الوطنية وعشنا في ظلالها منذ نعومة أظفارنا، حتى بتنا نعتقد أننا نرضعها في حليب أمهاتنا، وكأن الوطنية والانتماء للأرض فلسطينيَّا الهوى وغزيَّا الهوية.
كثيرًا ما ربطت الوطنية في بلادنا بمشوار النضال والكفاح الفلسطيني الطويل حتى باتت تُختزل فيمن يحمل السلاح ويقاوم المحتل، ليتسع المفهوم مع اتساع آفاقنا وعقولنا، لنجد رموزًا وأعلامًا يناضلون ويجاهدون بأساليب متنوعة وطرق متعددة، فمنهم من يغرس العلم والمعرفة في عقول أطفالنا وشبابنا، ومنهم من يسهر على راحة الوطن وسلامته وأمنه، ومنهم ... ومنهم ...، كلٌّ بطريقته ومعرفته وطنيٌّ بامتياز مع مرتبة الانتماء الأولى لأرضه وأحبابه.
لكن اليوم نبحث عن وطني بثوب جديد وحلة أكثر بهاء وإشراقًا، وطني يحمل هم الأرض والإنسان، وطني يحمل صدق الكلمة وعمق المعنى والفهم، وطني في قلمه وكتاباته، يحافظ على أصالته ورسالته، في زمن التواصل الاجتماعي، في زمن خلع الكاتبون رداء الإجادة والمهنية، فالمواقع أخرجت الكتابة من مضمونها ومعناها الجميل لتخرج بكلمات خارجة عن أصول الكتابة وأدبياتها، وربما أخلاقياتها أحيانًا.
فرسالتي لك -يا صديقي- أن تكون وطنيًّا في تفاصيل يومك، وأن تكون عاقلًا، إن كتبت، وأن تكون حكيمًا، إن قرأت، بذلك تكون راقيًا في حياتك وسلوكك، ولا تكن إمعة أو وعاء نقل خاويًا، للأخبار حاملًا وللمعنى فاقدًا، فانقل بوعي وفهم عميقين ما تستطيع وتقدر، وتجنب ما لا تعي ولا تفهم، ولا تكن بوقًا مرددًا كلمات ومعاني لا تفهمها أو لا تعي تفاصيلها.
يا ولدي، الإنسان قيمة كرَّمها الله (تعالى) وزينها باتباع دينِه وتعاليم شريعتِه، وزادها شرفًا بالعلم والمعرفة حين تُنقل إلى الآخرين لينال وسام التقدير والامتنان على واجب وطني مقدس.
إن إعلام الناس وتوجيههم نحو الحق والحقيقة نضال وكفاح وطني متقدم، والصبر على تعلمهم لا يقل أهمية في الظروف الطبيعية؛ فما بالكم في الطوارئ والأزمات؟!، فنحن أكثر حاجة لصدق الكلمة وعمق الانتماء، والتحلي بالمسئولية الكاملة تجاه قضايانا وهمومنا اليومية.
فكن -صديقي- عنوانًا للنضال والكفاح، وسهمًا في كنانة الحق، مصوبًا نحو الهدف والحقيقة، راجمًا الباطل، قاتلًا للإشاعة والأكاذيب، فبلدنا في انتظارك وشبابنا يشتاقون لصدقك، في زمن أصبحت الحقيقة كنزًا، والصدق نادرًا، فهيا بنا -أصدقائي- لنكون عناوين مقاومة بقلمٍ مداده الحب والوفاء، والصدق والثناء لأرض جُبلت بدماءِ أجدادي وَرُويت بعرقِ آبائي، لنزرع شجيرة أمل يقطف ثمارها أحفادي، فكن وطنيًّا.