لا يبدو أن ما يحصل في الساحة السياسية الإسرائيلية شأن داخلي، رغم ما يتردد في الأوساط الفلسطينية بهذا الخصوص، لكنه كلام للاستهلاك الإعلامي ليس أكثر، فالسلطة الفلسطينية أرادت بقوة سقوط بنيامين نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، وتتشوق لاستبدال السلطة في إسرائيل.
صحيح أن السلطة وناطقيها دأبوا على وصف الانتخابات الإسرائيلية بأنها شأن داخلي، لكن هذه العبارة تخفي خلفها خيبة أمل فلسطينية واضحة من عدم تحقيق بيني غانتس في البداية لفوز كاسح أمام نتنياهو، بعد أشهر طويلة من الانتظار، فالمقاطعة في رام الله لا تحب كثيرا غانتس، لكنها تسعى بقوة للإطاحة بنتنياهو، لأنها عانت كثيرا من فترة حكمه التي امتدت لأكثر من عشر سنوات.
الوضع في قطاع غزة يبدو مختلفا عنه في الضفة الغربية، فلم يعد سرا أنه في الجولتين الانتخابيتين السابقتين في أبريل وسبتمبر 2019، فغزة لا يربطها حبل الوصال مع نتنياهو، لكنه دخل معها في مباحثات غير مباشرة، وأنجز معها عبر وسطاء تفاهمات إنسانية أسفرت عن تخفيف للحصار المفروض عليها.
وقد جاءت تصريحات نتنياهو الأخيرة بأن الحرب مع حماس ستكون الخيار الأخير، بمثابة "بوليصة تأمين" من أي معركة إسرائيلية واسعة في غزة.
لم يكن سراً أن السلطة الفلسطينية أصيبت قبل تطورات الساعات الأخيرة بخيبة الأمل من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، رغم الارتياح من النتائج التي حققتها القائمة المشتركة، لكن التخوف المباشر من السلطة تمثل بأن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة، رغم صعوبتها، ويبدأ فورا بتنفيذ عمليات الضم لمناطق الضفة الغربية.
لقد علقت السلطة الفلسطينية آمالا عريضة على قدرة هذه الانتخابات على الإطاحة بنتنياهو، كي يتم إحباط تنفيذ صفقة القرن، واستئناف المفاوضات بين الجانبين من النقطة التي توقفت فيها زمن رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، ولذلك لم تتردد في الإعلان أن الاحتلال والضم والأبارتهايد هو من فاز في هذه الانتخابات.
في الوقت ذاته، فإن مخاوف السلطة الفلسطينية أن يفشل حزب أزرق-أبيض بتشكيل حكومته، وبالتالي تصل لوضع من التعادل بفرص الحزبين بعدم قدرتهما على تشكيل الحكومة، وفي هذه الحالة تواصل الحكومة الانتقالية برئاسة نتنياهو تنفيذ برامج الضم التي وعد بها المستوطنين خلال الحملة الانتخابية، ما يعني فرض وقائع جديدة على الأرض.
اليوم ورغم تكليف غانتس بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، لا يبدو أن مخاوف السلطة قد تبددت كلياً، فالقلق ما زال يساورها، في ظل الصعوبات التي ما زالت تعترضه، سواء من داخل حزبه وتحالفه من يمين الوسط، أو من صفوف معسكر اليمين، الذي لن يسلم بفرضية خسارته للسلطة بعد عقد كامل من التشبث بها، وهذا تحدٍ جديد سيكون ماثلا أمام الفلسطينيين عموما!.