في ضوء الانشغال الإسرائيلي المتلاحق في أزماتها السياسية الداخلية والانتخابات المعادة ثلاث مرات، وما أسفر عنه من انسداد في الأفق السياسي الداخلي، فإن (إسرائيل) تجد نفسها فاقدة لأخذ زمام المبادرة في التطورات الإقليمية والدولية الحاصلة من حولها، خاصة الإقليم المحيط بها، الذي يشهد تطورات متسارعة، ويترك (إسرائيل) مكتوفة الأيدي، تكتفي بالتفرج والمشاهدة عن بعد.
ستترك هذه الأحداث تأثيرها على مستقبل (إسرائيل)، لأنها مرتبطة ببعضها، أولها اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أفغانستان، وثانيها انخراط تركيا في الحرب الدائرة في سوريا، وثالثها النزاع الحاصل بين مصر وأثيوبيا حول مياه النيل، وهما حليفتان وثيقتان لإسرائيل، فضلا عن استمرار الحرب الأهلية في ليبيا التي قد تترك آثارها السلبية على حوض البحر المتوسط.
العلاقة بين هذه الأحداث واضحة، خاصة على الصعيد الايراني، وقد تترك تأثيرها المباشر على أمنها ووضعها الاقليمي، في حال وجدت من يلتقط هذه الفرصة، ويستثمرها من خلال عملية إقليمية ودولية متفق عليها ضد طهران، والحديث يدور هنا عن إسرائيل.
ينهي اتفاق السلام بين طالبان وأمريكا سنوات طويلة من القتال الدامي، ويوقف تواجدا أمريكيا مكثفا في أفغانستان، وبعد عقدين من الزمن مرا على هذه العمليات، أعلنت طالبان رغبتها بالتعاون مع الولايات المتحدة، في ظل دعوات أمريكية متلاحقة تطالب بالانسحاب من أفغانستان، بعد إنجاز المهمة.
وفقا للرؤية الإسرائيلية، فإن الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق هي إيران، فطالبان ترى فيها عدوا أيديولوجيا ودينيا خطيرا وصعبا، وحين تعود أفغانستان للوقوف على أقدامها، فإنها قد تتحول جبهة أساسية في المواجهة العالمية ضد إيران.
جبهة أخرى ترقبها إسرائيل جيدا اندلعت في الأسابيع الأخيرة شمال سوريا، حيث تسيطر المعارضة المسلحة للأسد هناك، بفضل المساعدة التركية، وبعد ان تم تحقيق تفاهمات قبل عامين بين تركيا وإيران وروسيا بغطاء أمريكي، بموجبها يتحول الشمال السوري منطقة عازلة يحظر على الجيش السوري العمل فيها.
لكن الأسد وحلفاءه، وبدعم موسكو، هاجموا المعارضة السورية، وقتلوا الجنود الأتراك، وهو ما لم يمر عليه أردوغان مرور الكرام، وأمر جيشه بشن هجوم داخل سوريا، في حين أن موسكو أدركت ان قوتها لها حدود وقيود، ولذلك سارعت للتوافق مع الأتراك خشية فقدان إنجازاتها في سوريا.
كل هذه التطورات الخطيرة تحدث أمام ناظر إسرائيل، مما يجعل غيابها عنها بسبب أزماتها الداخلية يكلفها أثمانا سياسية وأمنية باهظة، ويدفع مزيدا من الأصوات فيها التي تطالبها بالعودة لملء دورها الإقليمي والدولي في ظل العواصف السياسية والعسكرية التي تشهدها.