فلسطين أون لاين

"الديون" هل تمزق النسيج الاجتماعي؟

...
غزة- أسماء صرصور

يضع أحد التجار لافتة على باب المحل: "منعًا للإحراج الدين ممنوع"، ويحاول شخص ما الاستدانة من صاحب له؛ لكن الأخير يرفض لاعتقاده أن المال سيطول رده، وهو لا يملك الكثير أصلًا.

كل هذه انعكاسات تردي الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة نتيجة لحصار الاحتلال الإسرائيلي المفروض عليه منذ نحو 14 سنة، وخصومات السلطة من الرواتب وقطع بعضها، فما عاد أي شخص يوافق بسهولة أن يدين آخر.

يعلق على ذلك لصحيفة "فلسطين" أستاذ الصحة النفسية المشارك بالجامعة الإسلامية د. أنور العبادسة، قائلًا: "استطاعة الشخص أن يعيش دون ديون واستدانة تختلف من شخص إلى آخر، ولدى الشخص نفسه من ظرف إلى آخر"، مبينًا أن من كان لديه مصدر دخل كافٍ لتغطية احتياجاته الحالية والمستقبلية ظرفه مختلف عن ثانٍ لديه دخل محدود لا يكفي سوى المتطلبات الضرورية، وآخر لا دخل له.

ويتابع: "عامة نعم نستطيع العيش دون ديون مع استحضار الفروق النسبية، فالأول لا حاجة له بالدين إلا للاستثمار والتجارة مثلًا، أما الثاني فيستطيع العيش بلا دين، شرط عدم الدخول في أي مشاريع تطويرية أو مستقبلية من شراء أرض أو منزل أو تزويج أولاد أو خلافه، وإلا فسيضطر إلى الاستدانة، أما الثالث -وهو دون دخل- فلا يقاس عليه؛ فهو إما يعيش على الإعانات والمساعدات أو على الديون".

ويلفت إلى أن أسباب الاستدانة كثيرة، وتختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يستدين لأمور مهمة لا مناص منها، مثل الاحتياجات الصحية أو المسكن أو خلافه، وهناك من يلجأ إلى الدين لأسباب هامشية ورفاهية، ورغبة في تملك أشياء مميزة عن الآخرين مثل السيارة أو الجوال الحديث أو الملابس أو خلافه.

ويبين أستاذ الصحة النفسية أن ذلك عائد في كثير من الأحوال لعدم النضج النفسي، وعدم القدرة على التحكم في نزعاته ورغباته واندفاعاته، التي قد يكون مصدرها الحرمان في الطفولة.

ويقول: "الاستدانة ظاهرة إنسانية موجودة منذ عُرف الإنسان، وهي جزء من العلاقات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، كما أنها موجودة بأشكال مختلفة في كل مكان بالعالم".

على الصعيد الفردي –كما يقول- إدارة الديون هي جزء من الإدارة المالية، وهي قدرة تتفاوت بين الناس، يضيف: "لا شك أن العوامل المالية أحد مصادر ومسببات المشكلات الاجتماعية والأسرية، ومنها الديون؛ لذلك نجد العديد من النزلاء في السجون بسبب الذمم المالية".

ويدلل أستاذ الصحة النفسية باستعاذة النبي (صلى الله عليه وسلم) من غلبة الدين وقهر الرجال، مبينًا أن الملاحظ وصفها بالغلبة والقهر.

ويشير إلى أن الديون أحد أشكال الضغوط النفسية الاجتماعية التي قد تسبب الأرق والقلق والإحباط والإنهاك النفسي، موضحًا أنه يزيد هذا التأثير بسبب قلة فرص الحل وزيادة المطالبة بالتسديد، بالرغم من عدم القدرة وغياب الأفق في توافر الإمكانات للسداد، فيضطر إلى الذهاب إلى آخرين للاستدانة منهم، فيصبح متورطًا أكثر وأكثر لتعدد الدائنين، وتزداد الأمور تعقيدًا على الصعيد المالي والاجتماعي والنفسي.

ويشدد العبادسة على أن الديون ليست مسوغًا للقطيعة، لكنها مع ذلك تحدث، ناصحًا الجميع بعدم اللجوء إلى الديون إلا خيارًا أخيرًا، وأن تكون لأسباب قاهرة لا مجرد رفاهية.

ويفضل توحيد مصدر الدين؛ فكثرة الدائنين تعرض الشخص للضغط من عدة أطراف، موضحًا أن الأولوية لسداد الديون في حال توافر الإمكانية.

ويوصي أستاذ الصحة النفسية الدائنين بالصبر على المستدينين، ونظرة إلى ميسرة مراعاة للظروف.