رغم إفراج السلطة الفلسطينية عن القيادي بحركة فتح حسام خضر، إلا أن الاعتقال بحد ذاته يفضح عقيدة الأجهزة الأمنية، ويعود بالذاكرة إلى 15 عامًا، وقد نشرت مقالًا في ذلك الوقت، قلت فيه: سنوات خلت قبل أن تنجلي الحقائق، وتفضح ما ظل مستورًا تحت جبل الشعارات البراقة، سنوات خلت قبل أن يفقأ مخرز الواقع عين كل مكابر، يتنكر للأسباب التي أوردتنا التهلكة، وأغرقت شعبنا في وهم التقديس لبعض الأسماء التي أسلمنا لها أمرنا، فأسلمتنا للجحيم، أسماء جردها الواقع من الزركشة السياسية، وسمح لنا بأن نراهم على حقيقتهم، ونحن نوائم بين تصريحاتهم وممارساتهم، فظهرت الفاجعة، التي مزقت نفوس الشرفاء بين تعزيز الانتماء، أو التحسر على وطن يتساقط فوق رأسه البلاء!
هذا الواقع المؤلم أزعج السيد نصر يوسف وزير الداخلية سنة 2005 فقال: "إن مراكز قوى كثيرة تعوق عمله، وإنَّ هناك من يتاجر بكلِّ شيء بدءًا من الدماء حتى المخدرات"، وكان النائب حسام خصر الذي يقبع في السجون الإسرائيلية (قبل 15 عامًا) قد استخدم جملة: "أخجل من التطرق لهذا الموضوع، وبخاصة أن أُناسًا رسميين ونافذين في السلطة كانوا سببًا مباشرًا لاعتقالي، وعندي وعند المحامين ما يثبت ذلك".
وقد يكون لدى النائب السجين مروان البرغوثي ما يثبت ذلك أيضًا، وقد يكون لدى الشهداء ولدى الجرحى وشجر الزيتون والأرض التي حاصرها جدار الفصل العنصري ما يثبت ذلك، وقد يكون لدى الأسرى في السجون، ولدى المعابر وصفقات الإسمنت المشبوهة ولدى المدن المستباحة والمسجد الأقصى ما يثبت ذلك!
"واقعنا مخجل"، يضيف النائب حسام خضر، "قضاؤنا فاسد" يضيف نصر يوسف وزير الداخلية، وحالنا بالويل يضيف المواطن الذي حلم ذات يومٍ بتحرير كامل تراب فلسطين، على يد من احتلوا مراكز القيادة، فإذا بهم غير مؤتمنين على أمن الشعب، يسحقون وفاءه تحت نعال أسيادهم باسم الوطن، وباسم السلطة الفلسطينية التي يقول عنها السجين حسام خضر: "لم تقُم بما هو مطلوب منها حتى الآن، سلطتنا تبنَّت خططًا عشوائية، وألزمت نفسها بشروط أمنية على حساب التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
ما يلفت النظر في المأثورات السابقة، أن أولئك الذين يشار إليهم بالفساد، والمتاجرة بالوطن، والتخابر مع الأعداء، قد اقترفوا إثمهم باسم السلطة الفلسطينية، وبحماية تنظيم حركة فتح، الذي بات من مهماته اليوم تحرير السلطة من الفاسدين قبل تحرير تراب فلسطين.
لقد آن الأوان لشرفاء تنظيم حركة فتح أن يخترقوا صفوف الانتظار، وأن يؤكدوا للشعب الفلسطيني أن تنظيم فتح الذي داس البعض بأحذية الوحل على ثوبه النقي، هو نفسه تنظيم فتح الذي مدَّ عظام الرقبة للمقاومة كي تنهض، وللكرامة الوطنية كي تصعد.
آن الأوان للجيل الثائر في تنظيم حركة فتح، الجيل الذي حمل الأمانة، ونبت مثل شائق النعمان بين صخور المقاومة، الجيل الذي عركته التجربة، وكظم الغيظ، وهو يحمحم لمواجهة الأعداء، لقد آن لهذا الجيل أن يتقدم، ويتحمل المسئولية، وينقذ مستقبل القضية من أولئك الذين ركبوا على ظهر فتح، ومارسوا كل فاحشة باسم تنظيم فتح، لقد آن الأوان للمحاسبة، ونفض أجنحة التنظيم، ليحلق صقر المقاومة بعيدًا في فضاء الريادة والقيادة