الردع من وجهة نظري هو خليط بين القوة الناعمة والخشنة موجه من طرف ضد الطرف الآخر لدفعه للموافقة والإذعان لمطالب هذا الطرف وتحقيق مصالحه.
وفقًا للتعريف السابق للردع، لا بد من تبني استراتيجية واضحة المعالم توضح لنا كيف نردع (إسرائيل)، هل من الممكن أن نردعها عبر لجنة التواصل، أم عبر صواريخ المقاومة، أم من خلال مفاوضات السلام، أم من خلال المقاطعة الاقتصادية، أم من خلال خطاب المظلومية واستراتيجيات البكائيات، إلخ؟
حالة الانقسام السياسي التي يعيشها شعبنا الفلسطيني ساهمت في إضعاف عناصر القوة الفلسطينية، فأصبحنا خدمًا للمشروع الصهيوني بطريقة غير مباشرة، والسؤال المطروح كيف أصبحنا نخدم المشروع الصهيوني؟
وجهة النظر الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي تنقسم إلى ثلاثة مكونات:
الأول: من يؤمن بعملية السلام كمدخل وحيد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الثاني: من يؤمن بأن المقاومة بكل أشكالها هي الخيار الوحيد لحسم الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
الثالث: هو من يرى بضرورة المزاوجة بين المقاومة والعملية السياسية بحيث يخدّم كل طرف على الآخر بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية الفلسطينية.
قبل أن نرصد ماذا فعل الانقسام بالمكونات الثلاثة، لابد من وضع مقاربة حول موقع قطبي الحركة الوطنية الفلسطينية وهما حركتا فتح وحماس من المكونات السابقة، حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس تمثل بشكل كبير المكون الأول، في حين حركة حماس تمثل بشكل كبير المكون الثاني، بينما لا يختلف اثنان في الحالة الوطنية على صوابية المكون الثالث، وهذا ما يطرح السؤال التالي: ما الذي يبعدنا عن المكون الثالث الذي تقترب منه النخبة غير الحزبية؟ إنه الانقسام، ومن هنا نرى مصلحة (إسرائيل) ببقائه، فالحالة الراهنة تنصب كل مكون في مهاجمة المكون الآخر، والنتيجة كافة المخرجات الفلسطينية هي محط تحقير وتثبيط وإفشال، والنتيجة النهائية حالة احباط وهزيمة نفسية ومعنوية أصابت جزء كبير من شعبنا الفلسطيني، فهل يدرك الساسة ذلك..؟ هل سنرى بعد زيارات موسكو الأخيرة ترجمة حقيقية لخطاب الوحدة الوطنية، ونرى مصالحة قادرة على تحقيق ردع لدولة الاحتلال قادر على إفشال تطبيق صفقة القرن؟
السؤال الجوهري لهذا المقال: كيف نردع (إسرائيل)؟ وبطريقة أخرى ما هي مكونات استراتيجية الردع لدولة الاحتلال الإسرائيلي؟
أهم أسس وركائز بناء استراتيجية ردع لدولة الاحتلال تبدأ عند إنهاء الانقسام والتوافق الكامل على تنفيذ هذه الاستراتيجية والتي أحد أهم مكوناتها وأدواتها ما يلي:
1. فلسطينيو الداخل: ثلاثة مطالب ضمن هذه الاستراتيجية مطلوبة من فلسطينيي الداخل وهي:
• مطلوب من الشيخ رائد صلاح إعادة دراسة قرار الحركة الإسلامية الجناح الشمالي بالمشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، وأن تبدأ مرحلة جديدة من توحيد طاقات فلسطينيي الداخل في سبيل تشكيل كتلة برلمانية قوية مانعة تضعف من نفوذ اليمين المتطرف، وتعزز من بقاء وصمود فلسطينيي الداخل، وتكون بمثابة خنجر مسموم في قلب هذا الكيان، ومطلوب من باقي المكونات تعزيز الثقافة السياسية المدنية والمشاركة في انتخابات الكنيست والتصويت للقائمة العربية الموحدة بل العمل على استقطاب جزء من اليسار الصهيوني أيضًا.
• يجب أن تعمل الاستراتيجية على تأسيس صندوق يساهم في رأس ماله كافة مكونات شعبنا الفلسطيني، والدول العربية والإسلامية وأحرار العالم، ويهدف هذه الصندوق في دعم الإنجاب (القوة الديموغرافية)، وتعزيز الصمود، وبناء اقتصاد قوي مؤثر في الداخل الفلسطيني المحتل، وتعزيز الثقافة السياسية الوطنية، لمواجهة كافة مشاريع أسرلة فلسطينيو الداخل، وتأسيس وسائل إعلام قوية موجهة وقادرة على صياغة وعي جمعي يراعي خصوصيتهم وفي نفس الوقت يحافظ على قوميتهم العربية والوطنية.
• ضرورة زيادة الترابط بين فلسطينيي الداخل والقدس بسكانها ومقدساتها، وهو ما يعني زيادة الترابط بين كافة الفلسطينيين، ودعم صمود المقدسيين، وتعزيز اقتصادهم ووجودهم.
2. المزاوجة بين المقاومة والعملية السياسية: ضرورة أن تعمل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية (بعد الوحدة الوطنية وانضمام حماس والجهاد الإسلامي إليها) على المزاوجة بين المقاومة والعملية السياسية بحيث يخدّم كل طرف على الآخر بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية الفلسطينية، في عملية ممنهجة ومتفق عليها، وتراعي البيئة المحلية الإقليمية والدولية.
3. تعزيز المناعة الفلسطينية والتعافي من أمراض الانقسام، وهذا يتطلب سن تشريعات وقوانين تحظر التخوين والتكفير والثأر وفي نفس الوقت يتم العمل على إعادة الحقوق لأصحابها وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والديمقراطية وتكافؤ الفرص، حتى نعيد لشعبنا الفلسطيني سماته التي ساهم الانقسام في تشويهها.
4. دعم كل جماعات المقاطعة في العالم لا سيما (BDS)، وإعادة تقييم عمل الدبلوماسية الرسمية بما يخدم توجهات الاستراتيجية الجديدة، واشراك الدبلوماسية الشعبية ووضع هدف تشكيل لوبيات ضغط ولا يعيبنا دراسة تجربة الإيباك وجي ستريت كلوبيات ضغط حققت نجاحات مهمة في دعم المشروع الصهيوني.
5. إعادة الاعتبار لصورة القضية الفلسطينية في المنطقة العربية والإسلامية والعمل مع الشعوب العربية والإسلامية ومع النظام الإقليمي العربي والإسلامي على وقف عجلة التطبيع والالتزام بمبادرة السلام العربية التي تحظر أي اتصال مع (إسرائيل) قبل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
6. دراسة جدوى التواصل مع المجتمع الإسرائيلي من جديد واتخاذ قرار بهذا الشأن وفي حال كان التواصل إيجابيًا فإن هناك ضرورة في تغيير الآليات والأدوات التي استغلتها (إسرائيل) سابقًا في تشجيع بعض الأنظمة للتطبيع معها.
7. وضع هذه الاستراتيجية للدراسة والمناقشة وإضافة ما يمكن إضافته عليها سيؤسس لسياسة ردع لدولة الاحتلال كوننا سنحقق من هذه الاستراتيجية ثلاث نتائج ملموسة وهي:
- وحدة شعبنا، وإشراك كل مكوناته في نضاله ضد الاحتلال والاستيطان، وبذلك استعادة عناصر القوة الفلسطينية من جديد. وإفشال مخطط الاحتلال في تقسيم الفلسطينيين إلى خمسة مربعات وهي: (فلسطينيو الداخل – القدس – الضفة الغربية – قطاع غزة – الشتات) والتعامل مع كل مربع ضمن سياسة خاصة حتى ساهم ذلك في انقسام نفسي واجتماعي ليضاف إلى الانقسام السياسي والجغرافي.
- زيادة فاتورة تكلفة الاحتلال، وردعه.
- لن يهزم الشعب الفلسطيني لأن في هزيمته انتصارًا وهذا ليس شعارًا بل حقيقة راسخة، فهزيمتنا يعني تحمل (إسرائيل) المسئولية الكاملة عن السكان، وعليه ستتحمل مسؤولية خمسة ملايين فلسطيني وهي قنبلة ديموغرافية لن تحتمل (إسرائيل) قوة تفجيرها، في الوقت الذي تعمل على ترسيخ يهوديتها.