فلسطين أون لاين

للكبار فقط

يقولون من عاش لنفسه عاش صغيرًا ومات صغيرًا، ومن عاش لغيره ولأمته عاش مرفوع الهامة  كبيرًا، ومات عظيمًا.

فالعظماء عناوين أمة، قيمة وقامة، همة وهامة، يرفعون الراية، ويرسمون الابتسامة، ويزيلون الغمة، تقودهم مواقفهم، فذاك ابن الوليد خالد، مارد في قلوبنا خالد، بسيفه ماجد، تحدى الموت وكان له قاهرًا، وحقق نصرًا مبينًا على جيش غابر، ليحفر اسمه على صخور وصحارٍ، في قاموس الكبار والمعالي، ولم يخل جسده من طعنة أو نزفة دم غال.

هكذا هم العظماء، آلامهم عظيمة، لكن طموحاتهم أعظم، فلا نجاح بلا تعب ولا عظمة بلا نصب، فكن أنت، ولا تنتظر من يرفع شأنك ويعز قدرك، فأنت من يخط ذاتك ويرفع ذكرك.

فكن منارة من منارات هذا الزمان وسط ظلمة حالكة وعتمة مخيفة، ولا تعش لنفسك أو تتقوقع وراء ظلك وهواك، وتبقى ساكنًا وترى نفسك متألقًا أو في مقام عالٍ لحظة سقوط من حولك؛ فالعلو الارتقاء وحولك منافسون ومقامات، فالهضبة وسط الوديان على مرتفع وارتقاء، لكنه مقياس خادع ومؤشر غير ناجع؛ فمتعة الإنجاز والتفوق وسط منافسات شديدة وجهود حثيثة، ولا قيمة لنجاح أو إنجاز وحولك يتخبطون في ظلمات الدنيا ومتاعبها، لذا -يا صديقي- قم، فأنت لا تولد مرتين، لكن يمكنك أن تعيش أكثر من حياة بل حيوات عديدة ولذة مديدة، فقط عش لمن حولك، وكن عنوانًا للعطاء والتواصل الراقي والمشرف؛ فحقًّا من يعش لنفسه يعش صغيرًا ويمت صغيرًا؛ فاحرص أن تعيش كبيرًا وتموت عظيمًا.

ولا تنسَ -يا ولدي- أن التاريخ لا يبتسم للنائمين والمحبطين والمنتظرين، بل التاريخ لا يصنع رجالًا، بل الرجال تخط التاريخ وتحدد أيامه وتمنحه قيمة وعظمة بأحداث وأوقات فارقة، التاريخ -يا ولدي- ذكر الناس التي غيرت فيه، وأغفل من عاشوا فيه فقط لذواتهم وأنفسهم.

قم -يا أخي- ولا تنتظر؛ فأجدادنا عيونهم تسافر إليك مئات المرات كل يوم، يناجون المارد الكامن بين ثنايا عقلك، ويستنهضون الروح الساكنة بين ضلوعك، مجدًا أسقوك ماءه، وفخرًا عجنوه بدمائهم لتأكل خبزًا.

فالشمس -يا ولدي- تشرق مرتين، لكنها لم تشرق يومًا لنفسها بل تحترق وتلتهب ليصل إليك شعاعها جميلًا مفيدًا غامرًا، فما استحق الحياة من عاش لنفسه.

فنملة أبت على نفسها أن تعيش حياة عابرة متقوقعة  في جحرها دون ذكر، بل تصدرت المشهد لتعطي الحلول قبل الأزمة، ولتواجه الفلول قبل المعضلة، أصدرت التعليمات وأنزلت الناس منزلها بأدب،  دون تعجل أو تهور، وبرويّة واتزان، فرفع الله ذكرها وأعز قدرها بقرآن يتلى إلى يوم الساعة.