فلسطين أون لاين

جبروت الاحتلال يدفع المقدسيين لـ"الهدم الذاتي"

...
مقدسي يهدم منزله بيده (أرشيف)
القدس المحتلة / فاطمة الزهراء العويني - نور الدين صالح

تتضاعف سياسة الاحتلال الإسرائيلي باستهداف بيوت المقدسيين عامًا بعد عام، إذْ تزداد أعداد البيوت التي تهدم سنويًّا في محاولة إسرائيلية لإفراغ المدينة المحتلة من سكانها الأصليين وزيادة عدد المستوطنين فيها، بمحاصرتهم بسياسات ظالمة دفعت بعضهم لهدم بيوتهم بأيديهم.

فالمتابع للشؤون المقدسية، يرى حجم ازدياد سياسة الهدم الذاتي للمنازل خاصة منذ بداية العام، إذ تدفع سلطات الاحتلال المواطن المقدسي إلى هدم منزله بيده، في مشهد مليء بالمعاناة والمأساة، حيث يقبل الأخير بذلك تفاديًا للغرامة المالية الباهظة التي تفرضها بلدية الاحتلال حال رفضه.

كان مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" رصد ارتفاعًا حادًّا بهدم المنازل الفلسطينية في شرق القدس المحتلة بداعي البناء غير المرخص، حيث بلغ عدد المنازل التي هدمتها سلطات الاحتلال خلال عام 2019 أكثر مما هدمته في أي سنة خلال السنوات الـ15 الأخيرة.

وأجبرت سلطات الاحتلال، قبل أيام، المواطن محمد عبد السلام البشتي (26 عامًا) من بلدة شعفاط بالقدس المحتلة، على هدم منزله الذي يقطن فيه هو وزوجته بحجة البناء غير القانوني.

وقال البشيتي في تصريحات صحفية: إن محكمة الاحتلال أصدرت قرارًا بهدم منزلي ذاتيًا، وإلا سيتم هدمه من طواقم بلدية الاحتلال في القدس وتغريمي أجرة الهدم، وتقارب 70 ألف شيكل.

وكان المقدسي ماهر صيام من بلدة سلوان جنوب المسجد الاقصى، هدم منزله ذاتيًا، قبل أيام بطلب من بلدية الاحتلال في القدس بحجة عدم الترخيص.

حجج واهية

في حين اعتصر الألم قلب المقدسي جمال عليان وهو يُضطر لهدم جزء من بيته مجددًا بعد أن رفضت سلطات الاحتلال منحه الترخيص اللازم للبناء ليضطر هو وأربعة عشر فردًا من أسرته للسكن بالإيجار.

ولجأ عليان لهذا الأمر خشية أن تقوم سلطات الاحتلال بتحميله مبالغ باهظة في حال قامت هي بعملية الهدم بعد أن أخطرته بضرورة هدم منزله لكون بعض جيرانه يمثلون خطرًا أمنيًا عليها!

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُهدم فيها بيت عليان الذي تفاجأ بآليات الاحتلال تهدم منزله "المكون من ثلاثة طوابق" على ما فيه في 2018م دون سابق إنذار بحجة "عدم الترخيص".

وكان عليان قد بذل كما غيره من المقدسيين جهودًا مضنية للحصول على ترخيص للبناء من سلطات الاحتلال دون جدوى، ليُضطر لبناء منزله في 2013م ليؤويه وأبناءه، مشيرًا إلى أن حصول أي مقدسي على ترخيص يكاد يكون مستحيلًا في مسعى من سلطات الاحتلال لتهجيرهم خارج المدينة المحتلة.

تكاليف باهظة

بدوره، بين مدير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية زياد الحموري، أن ما يجبر المقدسيين على هدم بيوتهم بأيديهم هو خشيتهم من عقوبات أكبر من قبل الاحتلال الإسرائيلي في حال لم يقوموا بذلك، قائلًا:" فهم يعانون ضغوطات هائلة واحدة منها قضية الهدم بشكل عام تحت مسميات مختلفة منها "البناء غير المرخص، أو حجج أمنية".

وبيّن لصحيفة "فلسطين"، أن عدم الترخيص هو القضية الأصعب حيث يواجهون صعوبات جمة في الحصول على الترخيص وعندما يصلون لمرحلة من اليأس من الحصول عليه وبعد تكبدهم مبالغ مالية باهظة في إجراءات الترخيص يلجؤون للبناء علَّ الظروف تتغير يومًا لصالحهم.

تابع موضحًا: "لكن للأسف يجدون بلدية الاحتلال لهم بالمرصاد وأوامر الهدم بحجة "عدم الترخيص" فلا يكون أمامهم سوى أن يدفعوا غرامات مالية لتقوم آليات الاحتلال بهدم البيوت أو اللجوء لخيار أقل ضررًا من الناحية المالية وهو هدمه بأيديهم".

وبين الحموري أن قيام بلدية الاحتلال بهدم البيت يكلف صاحبه عشرات آلاف الشواكل كأجرة لشرطة الاحتلال وآلياتها، فيقوم بهدم بيته ما يسبب له ولأسرته آثارًا نفسية قاسية".

ولفت إلى أن هدم البيوت ذاتيًا يتضاعف سنويًا حيث سجل عام 2019 قرابة 18 حالة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمارس كل تلك الضغوطات على المقدسيين بهدف تهجيرهم من المدينة المحتلة وجعل الميزان الديموغرافي لصالح المستوطنين فيها.

من جانبه، يؤكد الناطق باسم لجنة الدفاع عن بلدة سلوان فخري أبو دياب، أن الاحتلال يسعى لتصفية الوجود الفلسطيني في مدينة القدس، لصالح اليهود، من خلال اتباع سياسات عنصرية، منها "الهدم الذاتي".

وقال أبو دياب وهو باحث في شؤون القدس، خلال حديثه مع "فلسطين"، إن سياسة الهدم الذاتي تُلحق معاناة مضاعفة بأصحاب البيوت، مشدداً على أن "الاحتلال يريد كسر هيبة وشوكة المواطنين من ذلك".

إرهاب وإذلال

ورأى أيضًا أن الاحتلال يتعمد الضغط على المواطنين لإرهابهم وإذلالهم، خاصة أنه يفرض غرامة مالية باهظة في حال "رفض المواطن هدم بيته بنفسه"، وهو ما يدفع الأخير بالقبول بسياسة الأمر الواقع.

وأكد أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، صفقته المشبوهة، لها علاقة كبيرة بكل معاناة المواطنين في مدينة القدس، وزيادة الهدم وتضييق الخناق عليهم، خاصة بعد إعلان القدس عاصمة للكيان ونقل سفارة واشنطن لها.

وبيّن أبو دياب أن سياسة الهدم الذاتي شهدت ازديادًا ملحوظًا منذ مطلع العام الجاري، وتجاوز الهدم في مدينة القدس الـ85 منشأة.

وأشار إلى أن الاحتلال يعمل على تجسيد الصفقة فعليًا على أرض الواقع من خلال تفريغ القدس من السكان، عبر فرض وسائل عنصرية عدة مثل عدم إعطاء التراخيص والهدم الذاتي، لإجبارهم على القبول بالصفقة.

وطالب قيادة السلطة والدول العربية والإسلامية، بضرورة التدخل والضغط على الاحتلال من أجل التراجع عن سياساته المجحفة ضد المواطنين في القدس.

ويتفق مع ذلك الباحث في شؤون القدس محمد الجلاد، حيث يرى أن الاحتلال يُطبق مخططه "لا معنى لـ(إسرائيل) بدون القدس بأكملها"، لذلك يسعى لزيادة أعداد اليهود على حساب طرد الفلسطينيين.

وفي حديثه مع "فلسطين"، بين الجلاد، أن الاحتلال يستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي فرضها هو على سكان المدينة المقدسة، من أجل إجبارهم على الرحيل منها.

وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تفرض سياسات مكثفة لتهجير الفلسطينيين من القدس، وصولاً لجعله ذات أغلبية يهودية.

وأكد أن الأوضاع الراهنة التي تتمثل بإعلان صفقة القرن وزيادة وتيرة التطبيع العربي مع الاحتلال فتحت شهيته لزيادة عمليات الهدم.

وانتقد الصمت العربي والدولي على جرائم الاحتلال في مدينة القدس، مطالبًا بضرورة التحرك على مختلف الأصعدة، منها الدعم المادي للمقدسيين في مواجهة سياسات الاحتلال.

كما دعا أيضًا إلى ضرورة التحرك على الصعيد الشعبي بضرورة تنفيذ حملات داعمة للمقدسين، وتوفير بعض الأموال اللازمة لهم، إضافة إلى الدعم المعنوي، كي يشعروا أنهم ليس وحدهم يواجهون الاحتلال.