يأمل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي المنصرفة بنيامين نتنياهو أن يكون التطبيع مع أنظمة عربية "قارب نجاة"، يساعده في الفوز بالانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها غدًا.
واتخذ نتنياهو، طوال السنوات الماضية، الدم الفلسطيني والعدوان وسيلة للترويج لنفسه في حملاته الانتخابية، محاولًا كسب أصوات الجمهور الإسرائيلي، كما وجد طريقًا "مختصرًا" له، أملًا في أن يبقيه سنوات على كرسي الحكومة، ألا وهو التطبيع مع أنظمة عربية.
ويتناقض التطبيع مع المبادرة التي أقرتها القمة العربية في بيروت سنة 2002م، التي تشترط أن يكون التطبيع بعد التوصل إلى "حل عادل" لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران (يونيو) 1967م في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها شرقي القدس المحتلة.
كما تشترط المبادرة الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، ومنها الجولان السوري حتى خط الرابع من حزيران (يونيو) 1967م، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، ومقابل ذلك تنص على "عد النزاع العربي الإسرائيلي منتهيًا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين (إسرائيل) مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة".
لكن الشهر الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو، خطته لتصفية القضية الفلسطينية، ومن بنودها: عد مدينة القدس المحتلة كاملة "عاصمة" لـ(إسرائيل)، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة سنة 1948م، والإبقاء على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وسيطرة الاحتلال على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت.
ومنذ 1967م، أقام الاحتلال في الضفة الغربية 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية عشوائية، ويوجد في تلك المستوطنات نحو 750 ألف مستوطن، وفق إفادة مراقبين.
وتشترط صفقة ترامب-نتنياهو التصفوية على الفلسطينيين الاعتراف بما يسمى "يهودية" (إسرائيل)، وسحب سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي على أساس ذلك، للنظر في إقامة دولة فلسطينية مستقبلية، بلا سيادة، على ما تبقى من أراضي الضفة والقطاع.
رغم ذلك، شهدت علاقات الاحتلال بأنظمة عربية تطورًا ملحوظًا، وباتت ما يعدها نتنياهو "ورقة رابحة" دعائيًّا ليكسب بها نتنياهو أصوات ما يوصف بـ"الجمهور اليميني"، رغم المعارضة الشديدة التي تضرب به من كل جانب.
وأعلن مكتب نتنياهو في الثالث من شباط (فبراير) 2020م أنه التقى رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان، في العاصمة الأوغندية عنتيبي، وأنهما اتفقا على بدء الحوار من أجل "تطبيع العلاقات"، في حين خرجت احتجاجات شعبية في مدن سودانية عديدة تنديدًا بالخطوة.
وكشف نتنياهو، الشهر الجاري، أن (إسرائيل) تقيم علاقات سرية مع العديد من الدول العربية والإسلامية، وأن ثلاث دول فقط هي التي لا تقيم علاقات معها.
وقال نتنياهو في كلمة له بمؤتمر لرؤساء المنظمات اليهودية الأميركية في غربي القدس: "أطوّر علاقات مع دول عربية وإسلامية، وأستطيع أن أقول لكم إن دولة واحدة أو دولتين أو ثلاثًا منها فقط لا تقيم معنا علاقات تتعزز باستمرار".
وأكد أن ما يقوله ليس إلا 10% فقط مما يحدث من علاقات سرية تجمع (إسرائيل) بدول عربية في المنطقة.
وأضاف: "زرت مع سارة (زوجته) سلطنة عمان قبل عام تقريبًا، وقمنا قبل أسبوعين بزيارة مؤثرة إلى رئيس مجلس السيادة السوداني (عبد الفتاح البرهان)"، مشيرًا إلى أن السودان دولة إسلامية تتحدث باللغة العربية، وأضافت مؤتمر الخرطوم الذي حدد "اللاءات الثلاث ضد (إسرائيل)"، والآن يدور الحديث عن إطلاق عملية تطبيع مسرعة معها.
وللمرة الأولى من نوعها، عبرت طائرة ركاب إسرائيلية (أم-أي بي جي جي) الأجواء السودانية، في طريقها من مطار كينشاسا بالكونغو الديمقراطية إلى مطار (بن غوريون) الإسرائيلي.
وعدا مصر والأردن، لا تقيم أي دولة عربية علاقات دبلوماسية علنية مع (إسرائيل)، لكن في المدة الأخيرة ازدادت وتيرة التطبيع بمشاركات إسرائيلية في أنشطة رياضية وثقافية وفنية، تقيمها دول عربية، لاسيما في الخليج العربي.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2018م، استقبل السلطان العُماني الراحل قابوس بن سعيد، رئيس حكومة الاحتلال في العاصمة مسقط.
وذكر مكتب نتنياهو آنذاك أن الأخير اصطحب معه خلال الزيارة: رئيس موساد يوسي كوهين، ومستشار رئيس حكومة الاحتلال لشؤون الأمن القومي رئيس "هيئة الأمن القومي" مائير بن شبات، والمدير العام لوزارة الخارجية يوفال روتيم، وآخرين.
ويعتقد العضو السابق للجنة التوجيهية لمقاطعة (إسرائيل) مازن قمصية، أن "ورقة التطبيع الإسرائيلي مع دول عربية باتت الأقوى في يد نتنياهو، للفوز في الانتخابات المقبلة".
ويقول قمصية لصحيفة "فلسطين": "إن نتنياهو يحاول استغال تلك العلاقات بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كي يظهر أمام جمهوره بأنه المنقذ والمخلص والأكثر تفتحتًا وتأثيرًا في العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، خدمة لمصالح الاحتلال في المنطقة".
ويذكر أن نتنياهو، وحزبه الحاكم حاليًّا "ليكود" باتا يتغنيان خلال جولاتهما الانتخابية بما يوصف بـ"الاختراق والتأييد الدوليين" اللذين حققهما نتنياهو، الأمر الذي من شأنه أن يرجح كفة نتنياهو في الانتخابات المقبلة.
ويشير إلى أن نتنياهو يحاول طرق كل الأبواب العربية والإسلامية، وأن يسلك كل السبل لضمان تخطي "حفرة الانتخابات"، والنجاح فيها بنفوذه وعلاقته بدول عربية وإسلامية تشهد ما أسماها "طفرة تاريخية".
ويدعو قمصية الشعوب العربية للانتفاض على التطبيع مع الاحتلال، لافتًا إلى أن دولًا عربية قد سمحت لنفسها بتطبيع وإقامة العلاقات مع كيان الاحتلال، ولأن تكون "ورقة رابحة" في يد نتنياهو "يلعب بها وقتما يشاء للتأثير والضغط على جمهوره وحشد أصواته".